أسعار المحروقات نار تلسع المواطن… وتتحكّم بتحرّكاته وحياته!
يُعاني اللبناني «الأمرَّيْن» من ارتفاع أسعار المحروقات التي «تكويه» بنارها، حيث أصبح ارتفاع كلفة النقل يتحكَّم بكافّة تحرَّكاته اليوميّة ممَّا يضطرَّه في مُعظم الأحيان إلى إلغاء موعد ما أو زيارة ما، وحتى «الكزدورة» باتت حُلمًا بعيد المنال، إذْ وصل سعر صفيحة البنزين حتى كتابة هذه السطور إلى 757 ألف ليرة وهو مستوى لا تتحمَّله غالبية اللبنانيين، كما بلغ سعر صرف الدولار مستوى 40 ألف ليرة.
بعد أن كانت تكلفة السرفيس من الشويفات إلى بيروت وفي أقصى الحالات تبلغ ما بين الـ 10 آلاف والـ 15 ألف ليرة أصبحت اليوم تفوق الـ 200 ألف ليرة، وهذا الإرتفاع الجنوني ينسحب على التنقلات في كافة المناطق اللبنانية، وأمّا التأثير الأخطر فكان على الموظف الذي لا يتقاضى أكثر من 95 ألفًا كبدل نقل يومي، وذلك مهما بعُدت مسافة العمل عن منزله ممّا يضطرَّه إلى دفع الفارق من جيبه للذهاب الى مكان عمله.
وللإضاءة على هذا الموضوع أعدَّت «الدولية للمعلومات» دراسةً أشارت فيها إلى كلفة الرحلة ذهاباً وإياباً داخل المناطق اللبنانيّة، والتي أصبحت على الشكل التالي:
طرابلس إلى بيروت: 1 مليون ليرة.
بيروت إلى جونيه: 310 آلاف ليرة.
بيروت إلى صيدا: 360 ألف ليرة.
بيروت إلى زحلة: 660 ألف ليرة.
بيروت إلى بعلبك: 1 مليون ليرة.
بيروت إلى حلبا، عكار: 1.120 مليون ليرة.
بيروت إلى بنت جبيل: 1.5مليون ليرة.
بيروت إلى الناقورة: 1.230 مليون ليرة.
ضمن مناطق بيروت: نحو 140 ألف ليرة.
كلفة التدفئة باهظة
ولا يتوَّقف الأمر على التنقل حيث ينتظر اللبناني بسبب إرتفاع أسعار كافّة المشتقات النفطيّة ما هو أخطر بكثير، لا سيّما القاطنين في الجبل وأبناء القرى النائيّة الذي يتوجسون من قدوم فصل الشتاء، والذين قد يضطرُّون لتحمُّل «لسعات البرد» بعد أن لسعتهم أسعار المحروقات التي تَقيهم من هذا البرد، ففي أشهر كوانين وشباط قد لا يَجد هؤلاء لا مازوت بفعل ارتفاع أسعاره الجنونيّة ولا قطعة حطب يتدفأون عليها.
ومع تدهور الوضع الإقتصادي تعجز عائلات لبنانية كثيرة عن تأمين محروقات التدفئة حيث لجأ بعضهم إلى استباق فصل الشتاء بقطع الأشجار حتى لو كانت مُثمرة مثل أشجار الزيتون وتخزينها للشتاء القارس الموعود، فيما لا يَجد مسؤولو البلاد حاجة للتفكير كيف سيمرُّ الشتاء على أبناء هذا الشعب ما دامت «شوفاجاتهم» شغَّالة 24على 24 وينعمون بدفء يمنعهم حتى من التفكير بغيرهم!
وفي هذا الإطار، يشرح مُمثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا كلفة التدفئة للعائلة الواحدة في الجبل مع إستمرار الإرتفاع الجنوني لأسعار المحروقات، ويُفندها على الشكل التالي: «اليوم سعر برميل المازوت تجاوز الـ 9 ملايين ليرة، والمواطن في الجبل بحاجة إلى 10 براميل أي ما يُساوي الـ 90 مليون ليرة». وهنا يُناشد مسؤولي الدولة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة «الشعور مع المواطن الذي يقطن في الجبل وبحاجة إلى التدفئة».
«وفي ظلّ ما نعيشه من أوضاع إقتصاديّة صعبة»، يوجّه أبو شقرا للمسؤولين عدّة أسئلة: «من أين سيتمكَّن هذا الموطن من تأمين تكلفة التدفئة والتي تُساوي ما يُقارب الـ 90 مليون ليرة، وهو بالكاد يتمكّن من تأمين قوته اليومي؟ هل هذا معقول؟ أين الرحمة والشفقة؟
ويُحمّل أبو شقرا، «مصرف لبنان المسؤوليّة، بسبب استمراره بشراء الدولارعبر الشركات الخاصّة».
ويُطلق صرخة باسمه كمُمثل موزعي محروقات «من أجل الموطن اللبناني والذي لم يعد بإمكانه الإستمرار في ظلّ كل هذه الضغوطات على كافّة الأصعدة».
مزيد من الإرتفاع
ويُشير أبو شقرا إلى «أنّنا سنرى أيضاً وأيضاً المزيد في إرتفاع أسعار المحروقات، في حال استمرّ التقنين في النفط وتخفيف «أوبيك» الإنتاج من جهة، ومن جهة أخرى فإن دولار السوق السوداء في لبنان هو على ارتفاع مستمرّ فقد تجاوز الـ 40 ألف ليرة ولا أحد يعلم إلى أين سيصل».
هل من بديل؟
هذه الأعباء الثقيلة إلى أين ستدفع المواطن اللبناني، يُشير هنا أبو شقرا إلى أنّ «كل هذا سيدفع ثمنه المواطن اللبناني، ممّا دفعه إلى البحث عن وسائل أخرى أوفر، ومن هنا لجأ إلى قطع الحطب، وهذا ما تسبَّب بهجمة كبيرة على الأحراج».
«لبنان الأخضر في خطر»، وعلاوةً على ذلك يوجه أبوشقرا نداءً «للمسؤولين كافّة ومن دون استثناء للتحرّك سريعاً، ومعالجة الموضوع قبل فوات الآوان». وتَوجُّه الناس لقطع الأشجار بعد عجزهم عن تأمين المحروقات مما يتسبَّب بكارثة بيئية خطيرة.
كارثة بيئية خطيرة
ويؤكّد رئيس حزب البيئة العامي ورئيس خبراء حماية الصحة والبيئة العالمية والمناخ ومستشار الهيئة العليا للإغاثة في السراي الحكومي الدكتور دوميط كامل، أنّه «مع بداية فصل الخريف والطقس البارد، وبخاصّةٍ في المناطق الجبليّة يبدأ أبناء تلك المناطق بالإستعداد لمواجهة موجات البرد بكل ما أُتيح لهم من وسائل».
ويضيف، «اليوم وفي ظلّ ما نعيشه وما يشهده لبنان من غلاء فاحش بأسعار المازوت وكافة المشتقات البترولية، والتي تخطت المعقول لا يُمكن لأي مواطن تأمينها مع تزايد الضغوطات الإقتصادية عليه»، ويشرح عن التكلفة العالية ويقول: «طن الحطب كان في السابق يساوي 100 دولار أما اليوم فقد أصبح بـ 250 دولاراً بأرضه وفق سعر الصرف في السوق السوداء».
ويتابع، «من هنا لجأ المواطن إلى الحطب، وأصبحنا أمام خطر كبير جدًّا يتمثّل بالقطع العشوائي والجائر للأشجارالمعمرة والنادرة كالصنوبر والأرز والسنديان المعمّر، وبخاصّة في المناطق البعيدة عن أعين الأجهزة الأمنيّة والقوى الأمنيّة».
دور وزارة البيئة!
وماذا عن دور وزارة البيئة في منع «المجزرة» التي ترتكب بحق الطبيعة والبيئة في لبنان؟
تُفيد مصادر وزارة البيئة، بأّنّ «الوزارة والوزير في حكومة تصريف الأعمال ياسين ناصر تحديداّ، يُتابعان الموضوع جدياً ويُوليانه أهميّة قصوى»، وعن الخطوات التي يقوم بها الوزير، تُشير المصادرإلى أنّ «الوزير وفور تلقيه أيّ شكوى تتعلّق بقطع الأشجار في أية منطقة كانت، يُبادر فوراً للإتصال بالمدعي العام البيئي في كل محافظة ويتقدّم بشكوى باسم الوزارة في حقّ المتورّطين بقطع هذه الأشجار لاتخاذ الإجراءات اللازمة»، وتكشف المصادر «عن السعي والعمل من اجل تحفيز المواطنين على استخدام «جفت الزيتون» بدل قطع الأشجار».
الشعور بالخوف على وجه لبنان يدفع إلى السؤال هل سيتغيَّر هذا الوجه بعد فصل الشتاء لنستفيق على لبنان آخر؟ لبنان القاحل بدل لبنان الأخضر؟