تترنّح بواخر الفيول المتوقفة في عرض البحر بين «موجة» الرئيس نجيب ميقاتي المُصرّ على انعقاد مجلس الوزراء لتأمين التمويل لها، وبين «تيار» النائب جبران باسيل الذي يصرّ على انه بالإمكان إيجاد مخرج قانوني لسلفة الكهرباء من دون اجتماع حكومة تصريف الأعمال.
لعل أسوأ ما في الخلاف المُتدلي من خطوط التوتر العالي حول اعتمادات الفيول انه يرتّب غرامات مالية يومية على دولة شبه مفلسة، تضاف الى «الغرامات الوطنية» التي تُسدد من رصيد الاستقرار الهش والبلد المنهك.
انها بعض من تداعيات الفراغ الرئاسي الذي تتفاقم عوارضه الجانبية مع مرور الوقت الضائع، والمفارقة ان القوى الداخلية تستغرق في نزاعات وسجالات تتعلق بنتائج الأمر الواقع، وتغفل عن معالجة سببه الأصلي المتمثّل في شغور موقع رئاسة الجمهورية.
وبهذا المعنى، فإنّ معركة البواخر التي تدور في «مضيق» النكد، والتي أدت الى تمدد الظلام الدامس، هي في حد ذاتها انعكاس لـ»عتمة سياسية» تلفّ الدولة التي تفتقد وجود رئيس للجمهورية وحكومة أصيلة.
بالنسبة إلى ميقاتي، أن تضيء شمعة حكومية خير من ان تلعن الظلام، وعلى هذا الأساس حسم خياره وقرر الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء تتولى إصدار مرسوم يقونِن دفع سلفة الكهرباء توطئة لتفريغ حمولة البواخر من الفيول.
غير أن دوافع ميقاتي المعلنة لجمع حكومته لم تقنع التيار الحر الذي يضع الاصرار على الدعوة إلى جلسة ثانية وسط الفراغ الرئاسي، ضمن سياق الإمعان في نسف الشراكة ومصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية، خصوصاً ان هناك بدائل عنها، في رأيه، ومن بينها اصدار مرسوم جوّال يحمل تواقيع الوزراء الـ24 الذين تولّوا مجتمعين صلاحيات الرئيس وفق الاجتهاد الدستوري للتيار.
والتئام مجلس الوزراء مرة أخرى، في ظل غياب الوزراء المحسوبين على التيار، سيكون من وجهة نظره مؤشراً إلى تحويل الاستثناء قاعدة، ودليلاً على النيات المضمرة باستغلال الفراغ للإطباق على صلاحيات رئيس الجمهورية والإخلال بالتوازنات تحت شعار ضرورة تسيير شؤون الناس.
غير أنّ القريبين من ميقاتي يؤكدون ان الأسباب الموجبة لموقف ميقاتي هي بعيدة تماماً من التفسيرات البرتقالية، وترتكز على الاعتبارات الآتية:
– رفضُ ميقاتي الوقوع في «كمين» إيجاد صيغة لدفع سلفة الكهرباء خارج إطار مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، «خصوصاً انّ اي إجراء من هذا النوع قد يُسجّل عليه ويُستخدم ضده لاحقاً. وبالتالي، فإنه لن يقبل الا بمظلة قانونية غير مثقوبة لفتح اعتمادات شراء حمولة البواخر».
– انّ ميقاتي حريص على استعمال صلاحياته كرئيس لمجلس الوزراء وفق ما تتطلبه مرحلة تصريف الأعمال وغياب رئيس الجمهورية، ولن يساوم على حقه الدستوري في الدعوة إلى جلسة ضرورية، كما يوضح المطلعون على حيثيات موقفه.
– انّ نظرية المرسوم الجوال الذي يوقعه الوزراء الـ 24 غير سليمة وغير مقبولة من قبل ميقاتي، وهو لن يسمح لسابقة حصلت منذ سنوات تحت وطأة ظروف سياسية معينة بأن تصبح عُرفاً مكرّساً، تِبعاً لِما يؤكده العارفون.
– انّ عقد جلسات للحكومة عند الاقتضاء ليس ترفاً بل حاجة، وميقاتي لن يتهرب من تحمّل مسؤولياته حيال متطلبات الناس، وفق ما يؤكد المحيطون به.
– انّ ميقاتي لا يسعى الى تسعير الخلاف بين «حزب الله» والتيار الحر او الى افتعال استقطاب سني – مسيحي، ودوافع موقفه تنبع من أحكام الدستور وضغط الملفات، بحسب تطمينات القريبين من ميقاتي.
يبقى انّ المهم وسط التجاذبات الداخلية هو ان لا يستمر تدفيع الشعب اللبناني ثمن معركة الفيول و«الفيلة» في دولة من زجاج.