IMLebanon

تأجيج مشاعر شعبوية ومحاولة مكشوفة لتعبيد الطريق إلى الرئاسة الأولى

 

تلطي باسيل وراء «الميثاقية والمشاركة» تتناقض مع ممارساته ولا تبرر تهجّمه على الحريري

 

«روَّج لمقولة مكافحة الفساد التي توقفت عند وقف ملاحقة الفاسدين المنضوين في دائرة «التيار الوطني الحر» من موظفين ونقابيين ومسؤولين كبار»

يُبرّر رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ما يطلقه من مواقف استفزازية وما يقوم به من ممارسات فظة في معظم الأحيان ضد معظم الأطراف السياسيين، إن كانوا من شركائه بالسلطة أو من خصومه التقليديين وآخرها ما اطلقه من مواقف ضد ما اسماه زرواً «السنيَّة السياسية» والتي كان صوب فيها مباشرة على «تيار المستقبل» وزعيمه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بأنه سعى من وراء ذلك إلى تحقيق «الميثاقية السياسية»، وتكريس المشاركة بالسلطة ولا سيما بين المسيحيين والمسلمين.

 

وقد بدا مثل هذا التبرير الذي يحاول من خلاله التراجع عن بعض «اتهاماته» لتيار المستقبل بمثابة عذر أقبح من ذنب، باعتباره يظهر وكأن هناك خللاً في التركيبة السلطوية وأن هناك إفتئاتاً على حقوق المسيحيين من قبل المسلمين، خلافاً للواقع ومحاولا تحميل مسؤولية هذا الخلل إلى «اتفاق الطائف» الذي أصبح دستور البلاد منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وبموجبه أصبحت معظم صلاحيات رئيس الجمهورية بيد مجلس الوزراء مجتمعاً.

 

ولا شك بأن تحميل ما يسميه باسيل «السنيَّة السياسية» مسؤولية التعديلات التي حصلت على صلاحيات رئيس الجمهورية بموجب اتفاق الطائف، وهو من خلال هذه المواقف يحاول دغدغة مشاعر شرائح مسيحية وجمعها من حوله وكذلك تحميل مسؤولية هذا الاتفاق الذي كان من هندسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان لتيار المستقبل وزعيمه الرئيس سعد الحريري حالياً، ويهدف فيما يهدف إلى محاصرة رئيس الحكومة بالتناغم مع جهات معينة والسعي قدر الإمكان لإعادة تكريس صلاحيات غير مدرجة بالدستور لرئيس الجمهورية، إن كان بالممارسات اللادستورية لرئيس الجمهورية، أو بحكم الأمر الواقع، فرض بعض الأعراف غير الدستورية.

 

ولكن ادعاءات باسل بتكريس الميثاقية والشراكة بالسلطة تتناقض كلياً مع ممارسات السلطوية، هو وتياره، من رأس الهرم وحتى أسفل القاعدة. ولعل أبلغ مثال على عدم تكريس هذه الميثاقية التي يغطي فيها وزير الخارجية تصريحاته ومواقفه الاستفزازية، هي الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية العماد مشال عون إلى روسيا مؤخراً تحت عنوان «طلب دعم ومساعدة روسيا باعتبارها اللاعب الأساس بسوريا، لتسريع وتسهيل عودة النازحن السوريين من لبنان إلى بلادهم».

 

وقد اقتصر الوفد الرسمي لهذه الزيارة التي اطلق عليها شعارات وتوصيفات غير مألوفة بالاهمية والتأثير، على رئيس الجمهورية وابنته وصهره جبران دون سواهم في سابقة غير مألوفة في الزيارات الرسمية، وهي الزيارة التي لم تفتقد إلى الميثاقية في تكوين الوفد وغياب السفير اللبناني عن مجمل الزيارة، وإنما هو عدم اصطحاب وزير النازحين المعني بهذا الملف إليها وتغييبه كلياً عن هذا الملف الذي يتولى مسؤوليته بالحكومة بالرغم من كل الحملات التي شنّها المقرّبون من العهد والتيار العوني في وقت سابق وانتقادهم لغياب الوزير المذكور عن الانضمام إلى الوفد المرافق للرئيس الحريري إلى مؤتمر بروكسل الأخير المعني بمساعدة النازحين السوريين وحتى تلويحهم بتعطيل جلسات مجلس الوزراء جراء ذلك.

 

ويبدو ان الترويج لتكريس الميثاقية والشراكة بالسلطة له أكثر من مفهوم في ممارسة الوزير باسل وتياره، وهي ممارسة مزدوجة، تتلاءم مع تطلعات واهداف، شخصية في بعض الأحيان ومحاولة لإيهام المسيحيين بالقدرة على تبديل الواقع السياسي والسلطوي كما كان قبل الطائف.

 

ولذلك، فإن الاهتزاز السياسي وتبادل الحملات بين «تيار المستقبل» والتيار الوطني الحر لن يكون الأوّل ولا الأخير، لا سيما إذا استعرضنا سلسلة الاهتزازات السياسية منذ بداية التسوية وحتى اليوم، لأنه عند كل محطة أو خطوة مهمة نحو الامام، ستتجدد مثل هذه الاهتزازات، التي ستكون محطتها القريبة التعيينات في المراكز الشاغرة بالدولة.

 

وهكذا، محطة بعد محطة وكلها تصب في محاولة الإمساك بزمام المفاصل الرئيسية بالدولة، ترجمة لمقولة ان هذه الحكومة هي حكومة العهد الأولى وليست الثانية كما روج لذلك باسيل وغيره من وزراء وقادة «التيار الوطني الحر» في المرحلة السابقة.

 

وما يحصل حالياً على الأرض اقوى دليل على هذا الواقع، لا سيما بعد ما روج لمقولة مكافحة الفساد التي توقفت عند وقف ملاحقة الفاسدين المنضوين في دائرة «التيار الوطني الحر» من موظفين ونقابيين ومسؤولين كبار، في حين يلاحظ بوضوح محاولات تدجين القضاء ووضع اليد عليه كما حصل مؤخراً على هامش المحاكمات في المحكمة العسكرية.

 

ولذلك، لن تغيب الاهتزازات السياسية وحملات التراشق التي تضع في اولوياتها تعبيد الطريق إلى الرئاسة الأولى ولو أدت هذه الاهتزازات إلى تفشيل تحركات العهد وتكبيل حركته، كما يحصل حالياً.