تأخذ المعركة على المقعد الماروني في دائرة بعلبك ـ الهرمل طابعاً وجودياً أكثر ممّا هو طابعٌ سياسي، في ظلّ الفانون الانتخابي الجديد.
تُعتبَر منطقة دير الأحمر والجوار الخزّانَ البشَريّ للموارنة في دائرة بعلبك- الهرمل. في هذه المنطقة، يحاول الأهالي التمسّكَ بوجودهم وعدمَ تركِ أرضِهم، على رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها.
ويُعتبَر الوضع الاقتصادي المتردّي العدوَّ الأوّل للأهالي في الدير وبقيّةِ مناطق الأطراف، فالمنطقة لم تشهد أيّ أحداثٍ بعد الحرب تدفعُهم إلى تركِ أرضِهم، بل إنّ انعدامَ فرصِ العمل في الأرياف جعَل الأهالي مهجّرين قسراً وقاطنين في بيروت والضواحي.
وتشتدّ المنافسة على المقعد الماروني في دائرة بعلبك ـ الهرمل، وباتت تُشبه إلى حدّ بعيد المعركة على رئاسة الجمهورية، مع فارقٍ كبير هو أنّ اللبنانيين لا يقرّرون مصير الرئاسة، بل الإرادات الخارجية، بينما يملك أهالي دير الأحمر والجوار جزءاً كبيراً من القدرة على تحديد هوية النائب الماروني في المنطقة.
وتتنافس في دائرة بعلبك – الهرمل أربعُ لوائح هي: لائحة الثنائي الشيعي «الأمل والوفاء» والتي رشّحت عن المقعد الماروني النائب إميل رحمة، لائحة «الكرامة والإنماء» التي تضمّ تحالفَ «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» وبعضَ الشخصيات الشيعية المستقلّة ورشّحَت عن المقعد الماروني أنطوان حبشي، لائحة «الإنماء والتغيير» التي يُعتبَر علي صبري حمادة من أبرزِ رموزها الشيعية ورشّحت شوقي الفخري عن المقعد الماروني، أمّا اللائحة «المستقلّة» فقد رشّحت سندريللا مرهج عن المقعد الماروني.
ويُعتبَر تركيز أيِّ لائحة على مقعد معيّن أمراً محِقّاً، لكنّ التخوّفَ الأساسي لدى أهالي دير الأحمر والجوار أن تُركّز لائحة « الأمل والوفاء» على المقعد الماروني بغية إسقاط مرشّحِ «القوّات» أنطوان حبشي، الأمر الذي قد يَعتبره أهالي الدير انكساراً لإرادتهم وليس لـ»القوات» فقط.
وتضمّ دائرة بعلبك ـ الهرمل نحو 230 ألف صوت شيعي، و42 ألف صوت سنّي، و41 ألف صوت مسيحي لديهم مقعدان أحدُهما ماروني والآخر كاثوليكي.
رَفع «حزب الله» منذ دخوله الحرب السورية شعارَ حماية لبنان من «داعش»، ويُبدي الحِرص على طمأنةِ المسيحيين، لكنّ الرأيَ العام المسيحي في بعلبك يؤكّد أن لا مانعَ مِن انضمام أيّ نائبٍ مسيحي إلى تكتّلِِ غير مسيحي، والعكس صحيح، لأنّ الكتل الطائفية تجعَل من اللعبة السياسية مجموعات متناحرة.
لكنّ ما يحصل في ظلّ القانون النسبي يشير إلى أنّ أهالي دير الأحمر في غالبيتهم سيَصبّون أصواتَهم للمرشّح حبشي، في حين أنّ ماكينة لائحة «الوفاء والأمل» ستصبّ أصواتاً شيعيّة من الفائض الذي تمتلكه للمرشّح الماروني فيها إميل رحمة، وعندها قد يفوز بالأصوات الشيعية.
ويَستغرب منافِسو لائحة «الوفاء والأمل» لجوءَ القوى السياسية المعنية بها إلى عملٍ كهذا، من دون أن تترك اللعبة السياسية والانتخابية تأخذ مجراها، ويسأل عدد منهم: ماذا لو صوَّت الموارنة بنسبة تفوق الـ 95 في المئة لحبشي أو أيّ مرشّح آخر؟ فهل يتحمّل أن يُقال إنّ «حزب الله» ضَرب التمثيلَ المسيحي؟
وهل يرضى أن يقوم موارنة جبيل بالتصرّف نفسِه بالنسبة إلى المقعد الشيعي هناك، حيث يَصبّون أصواتهم على المقعد الشيعي مانعينَ مَن يمثّل الشيعة فعلاً من الوصول إلى الندوة البرلمانية؟ وماذا عن صورته التي يحاول أن يظهر فيها أنّه قريب من المسيحيين؟
يرى مسيحيّو بعلبك في القانون الانتخابي الجديد متنفّساً لهم ليُعبّروا عن تمثيلهم، على رغم أنّهم لن يكونوا قادرين على الفوز بالمقعدَين الماروني والكاثوليكي، بسبب التراجعِ الديموغرافي، ولم تسجّل اعتراضات على المقعد الكاثوليكي هناك لأنّ الجميع يَعلم أنّ الوزير السابق ألبير منصور يَملك حيثية مقبولة أو حدّاً أدنى من الأصوات، بينما الاعتراض المتنامي على تعاملِ لائحة «الوفاء والأمل» مع المقعد الماروني هو بسبب نيّتها ضربَ أحقّيةِ الموارنة بالتمثيل.
ويقول البعض إنّ هذه الخطوة ستترك تردّداتها في نفوس أهالي دير الأحمر والجوار إذا حرِموا من نائبٍ يُمثّلهم، فالمسألة ليست في تمثيلِ «القوات اللبنانية» بمقعد نيابي، خصوصاً أنّ «القوات» ستتمثّل بأيّ مقعد إذا وصَلت لائحتُها للحاصل الانتخابي، بل إنّ القضية تتعدّى ذلك لتُعبّرَ عن وجودهم، وطريقة تصرّف شركائهم في الوطن معهم. فالنائب الماروني بالنسبة إليهم، يوازي مركزَ رئيس الجمهورية بالنسبة لموارنة لبنان.