جريا على العادة في لبنان، فان القراءة في السياسة هي التي تطغى على كل ما عداها، حتى عندما يكون الحدث اجتماعيا واقتصاديا واداريا بالدرجة الأولى. وهذا ما ينطبق على حدث طال انتظاره كثيرا، باقرار سلسلة الرتب والرواتب بعد سنوات من السجالات والمناورات والتجاذبات وحتى المواجهات، بما كان يؤدي الى تأجيل اقرارها! ولكل طرف في لبنان نظارته السياسية الخاصة به، ولذلك فمن الطبيعي ان يأتي النظر الى السلسلة، في واقعها والآثار المترتبة عليها، متباينا بين المكونات اللبنانية، بين من يرى فيها اقرارا لحقوق مستحقة لاصحابها، وبين من يرى فيها نذير شؤم وينذر بسقوط الهيكل الاقتصادي على رؤوس اللبنانيين والبلد ككل!
واقعيا، لا يمكن أن يخرج الكامل من رحم الناقص! وواقع الدولة اللبنانية هو تراكم هائل من النواقص في كل مجالات الحياة منذ الاستقلال والى يومنا هذا. واقرار السلسلة على هذا الشكل يصحّ فيه القول: تسألين عن سقمي؟ صحتي هي العجب! وما لم يتم بناؤه على الأساس الصحيح، فليس من المنتظر أن يكون البناء راسخا وسليما. وعلى سبيل المثال، فان تراكم الفساد على مرّ الزمن بنى سدّا منيعا في وجه كل محاولات الاصلاح، حتى بعد مجيء العهد الاصلاحي الحالي. والارتجال في المعالجات كان هو الصفة السائدة والقاسم المشترك الأعظم بين غالبية كل العهود…
… والأهم هو ان إقرار السلسلة أعاد حقوقا الى شريحة واسعة من مستحقيها، حتى لو كانت نسبية، وحتى لو بقيت شرائح كبيرة أخرى أيضا، لم يتم انصافها ولو بالحد الأدنى. ويبقى الأمل قائما في ان ما تعذر تنفيذه اليوم يمكن العمل على تحقيقه لاحقا. كما أن أي خطأ أو نقص تضمنته السلسلة، يمكن تصويبه في الممارسة العملية، ولا يضيع حق وراءه مطالب كما يقال. ومع ذلك فان إقرار السلسلة لم يكن بلا ثمن! وفي ظلّ الواقع اللبناني الذي يرزح تحت عبء دين عام كبير، وظروف اقليمية ملتهبة، كان من المحتّم تحميل جانب من عبء التمويل الى فئات لا يجوز تناولها، ولكن الجانب الايجابي هو ان العديد من الضرائب المستحدثة لتمويل السلسلة سجّل اختراقا لأوساط استثمارية كانت محميّة تاريخيا، وتكسب الكثير ولا تدفع شيئا في المقابل، أو تدفع الفتات!