لن يسمع كيري من عباس عندما يلتقيه هذا الاسبوع أكثر مما سمع منه في نيويورك، ولن يعرض الوزير الاميركي على المسؤول الفلسطيني ما يخرج عن وعوده السابقة التي لا تصرف. ولقاؤهما المرتقب لن يوقف تظاهرة ولن يلجم فتى عن شهر سلاحه الاخير في وجه جلاده: السكين… وحتما لن يجعل المستوطنين والجنود الاسرائيليين أقل وحشية وفظاظة.
لا عباس ولا أي من اصحاب الرتب والمناصب الرسمية او الحزبية بات جديرا بالنطق باسم العذاب الفلسطيني. هذا العذاب التهم صدقية الجميع . اهل الضفة يسألون: ما لزوم السلطة بعد فشلها في انجاز الحد الادنى من مقومات الدولة ولجم الاستيطان؟ واهل غزة ايضا يسألون ما لزوم “حماس” ومشروعها ما دمنا نشرب العلقم بدل الماء؟
انتفاضة الارض المحتلة اقرب الى صرخة يأس وقهر جماعية في وجه هؤلاء جميعا مثلما هي في وجه المحتل. فشل الفصائل والاحزاب ومشاريع الانظمة والسلطات الصغيرة دفع بالجيل الجديد الى البحث عن بديل من خارجه. بديل لا يشبه أيا من التجارب والنماذج السابقة ولم يتأثر بأي منها. عفوية هذا الغضب ادانة ممهورة بالدم لكل تجار القضية على الساحة الفلسطينية وخارجها.
لماذا يطعن شاب او شابة أي اسرائيلي يصادفه في الشارع مع ادراكه المسبق انه سيموت حتما؟ هذا انتحار غير منطقي! لكن هل ثمة شيء منطقي في فلسطين؟ وهل ثمة حياة منطقية للفلسطينيين سواء في ظل الاحتلال أم في المنافي؟ هذا فعل فيه من الكبرياء الانسانية والكرامة لايقوى عليهما الا الاحرار الانقياء.
انتفاضة السكاكين، لعلها هي الانتفاضة المنطقية الوحيدة ضد الظلم الذي يعانيه الفلسطيني ويصعب تصديقه. هي ادانة لمجتمع دولي يدعي انه حر ولم يكترث لحظة لأسوأ محنة انسانية في التاريخ البشري. هي ايضا ادانة لكل الحالة السياسية العربية التي ضيعت فلسطين وضيعت معها شعوبها ودولها باسم الدفاع عن القضية.
لطالما راهنت اسرائيل على ان ينسى أبناء الجيل الثالث مفتاح البيت المسروق في صفد وعكا ويافا… ولكن ها هم أبناء الجيل الرابع يقولون لاسرائيل بالدم وبأعلى الصوت ان صورة البيت لا تزال محفورة في القلب وفي عمق الذاكرة، وان القهر لا يوفر للمحتل أمنا وأن الحق لا يموت لا بالقوة ولا بالجبروت.
لئلا يصير انفجار اليأس غضبا عابرا؟ ولئلا تضيع انتفاضة السكاكين مثلما ضاعت الانتفاضات السابقة بصفقات تجار السياسة المخضرمين، وكي تتحول أملا وتترجم مشروع حياة ونضال، لا بد ان يتصدرها وينطق باسمها ابناؤها الحقيقيون لا الكسالى المترفون.