Site icon IMLebanon

وظيفة «القوات»… مواجهة «التيار»؟!

اعتادت القوى السياسية، أو بعضها على ألأقلّ، أن تنظر إلى «القوات اللبنانية» من زاوية خصومتها مع «التيار الوطني الحر»، وكأنّ دورها يقتصر على هذه الوظيفة، فجاء التفاهم بين الطرفين ليوَلّد صدمة سياسية لدى هذه القوى.

في موازاة الفئة التقليدية التي لا تستطيع أن ترى «القوات» خارج سياق المواجهة مع «التيار الحر» في تحجيم غير مقصود، ربما، لدورها الوطني الذي تشكّل فيه هذه المواجهة فصلاً من فصول أجندتها الوطنية، هناك فئة أخرى تعتبر أنّ «القوات» تنفّذ أجندة القوى الإسلامية الحليفة لها، أي تيار «المستقبل»، في المواجهة مع الحالة العونية، وهذه المقاربة لا تستحقّ النقاش، لأنّ أصحابها اعتادوا على العلاقة الاستخدامية على قاعدة الرئيس والمرؤوس، ويعتقدون أنّ ما يسري عليهم ينسَحب على غيرهم، وذلك ليس عن سوء نيّة بطبيعة الحال، بل كونهم لم يختبروا يوماً معنى الحرية والشراكة، بل كانوا دوماً مُستَتبَعين.

وما ينطبق على «القوات» ينسحب على غيرها من القوى، بمعنى هل وظيفة تيار «المستقبل» مواجهة «حزب الله»؟ وهل مبرّر وجود ١٤ آذار هو استمرار ٨ آذار؟

فربط الدور السياسي لطرف بطرف آخر يشكّل إساءة سياسية له، لأنه يظهره مجرّداً من المبادئ والثوابت الوطنية، ويحصر دوره بالمنافسة مع فريق محدد من دون مشروع سياسي، أي مجرد منافسة للمنافسة، فيما المنافسة السياسية هي الإطار الشكلي للصراع، لأنّ جوهره يتصِل بالأهداف الوطنية لكل فريق.

وخطورة هذه النظرة أنها ترفض الإقرار بالدور الوطني للفريق الشريك أو الخصم، وتحدد علاقتها معه تِبعاً لخصومته مع الآخر، فيما جوهر هذه العلاقة يجب أن يرتكز على قواعد سياسية صلبة، بمعزل عن الاصطفاف السياسي الذي يعتبر ثانوياً مقارنة مع التفاهم والتحالف الوطنيين.

وخطورة هذه النظرة أيضاً أنّ أصحابها ينصِّبون أنفسهم في موقع مَن يدير الأدوار ويوزّعها، وكأنّ هناك فريقاً متبوعاً وآخر تابعاً في رفض واضح لأسس الشراكة أو في تهرّب وتنصّل من هذه الشراكة.

ومن أجل عدم تحميل الأمور أي سوء نية، لا شك أنّ الصراع المفتوح بين «القوات» و«التيار الحر» عَوّد الناس على هذه الصورة إلى درجة باتَ يصعب معها على أيّ فريق سياسي أو على الناس أن تراهما بغير ثوب المواجهة، ومن هنا ردّة الفِعل المبرّرة على التقارب الذي حصل بينهما، ولكن هذا لا ينفي أنّ لكل منهما رؤيته للبنان، و«القوات» نشأت قبل «التيار الحر» وصراعها معه هو محطة جزئية وعابرة في سياق القضية التي تحملها.

وأهمية هذا التقارب انه أعادَ وضع الأمور في نصابها، حيث أنّ لكل طرف حيثيته ومشروعه وتاريخه وأهدافه، ومن الخطيئة بمكان حَصرها في جانب واحد. ومن ثم فإنّ أحداً لا يحدد لـ«القوات» أو «التيار الحر» وظيفته او اين تكمن مصلحته وطبيعة الدور الذي عليه القيام به.

وإذا كان التقارب القواتي-العوني يشكّل مصدر انزعاج كبير، وتحديداً لفريق ٨ آذار الذي يرى فيه عائقاً أمام استخدام العنوان المسيحي في مواجهته السياسية، فمن الواضح أنّ هذا الفريق بدأ عملية تعويم سياسية للعماد عون بعد النكسات الأخيرة التي أصابته، وهو يراهن على عودة المواجهة بينه وبين «المستقبل» إلى سابق عهدها من أجل إحراج «القوات» وإخراجها من التحالف معه.

ففريق ٨ آذار لا يريد إعطاء عون الرئاسة ولا قيادة الجيش، ولكن بالمقابل لا يريده وسطياً ولا حليفاً لـ»المستقبل» و»القوات» بطبيعة الحال، وكل ما يفعله هذا الفريق اليوم هو عملية تعويض معنوية غير قابلة للترجمة السياسية، وكان آخرها جرعة الدعم التي تلقّاها من السيّد حسن نصرالله، وأمّا الكلام عن محاولات كسر عون فيدخل في هذا السياق من أجل أن يجعله مرتبطاً كلياً به تحت عنوان حمايته من الكسر.

وبعد الخطوط الحمر التي وضعها «حزب الله» للعماد عون من عدم المَسّ بالاستقرار واستمرار الحكومة إلى وَقف الحملة على الجيش، يخطئ عون إذا تَوهّم بأنّ الحزب الذي عجز أو امتنع عن إيصاله إلى الرئاسة سينجح اليوم، بل جُلّ ما يريد حزب الله من عون أن يكون حليفاً لا رئيساً وبوظيفة محددة، هي الدفاع عن المقاومة في لحظة تحوّلات تحتاج فيها الأخيرة إلى تحالفات وطنية لتثبت أنّ مشروعها يحظى بغطاء وطني.

وإذا كان ليس مطلوباً من عون الانفصال عن الحزب، لأنّ هذا شأنه وهو من يقرّره، فإنه من الخطأ بالمقابل أن يبتعد عن «القوات» و»المستقبل» من منطلق عدم التفريط بما حقّقه على هذا المستوى، لأنه بمعزل عن الرئاسة الأولى وقيادة الجيش، والتي لكل منهما حساباتهما ومعادلاتهما التي تتعدى قدرة عون على التحكّم بهما، فإنه نجح في مَد الجسور مع كل القوى السياسية، الأمر الذي شكّل له مصدر قوة لا ضعف، فيما الضعف يكمن تحديداً في عودته إلى مربّعه السابق الذي جرِّب وأوصَله إلى نتائج سلبية لا إيجابية، ويبدو انه يعدّ كل العدّة لعودته إلى هذا المربّع مع فارق هذه المرة ليس فقط خسارته لمعظم أوراقه، بل غياب الأفق الإقليمي لحراكه، حيث أنّ التوازن السعودي-الإيراني سيّد الموقف في حالتي الحرب والسلم.