Site icon IMLebanon

صناديق المتن: مساءلة الأرمن.. و«إكسير شباب» المرّ

ليلة الأحد الحافلة بالانتصارات «المرّية»، كانت بمثابة جرعة أكسير شباب ضخّت في شرايين «أبو الياس» ومنحته حيوية زائدة كي يطلّ عبر الإعلام ويزّف لمحبيه أخبار فوز معظم «ريّاسه البلديين» في معاركهم الانتخابية، وليعيد تجديد «زعامته» المحلية، ويرفع السواتر الترابية أمام «قلاعه» البلدية.

فعلاً قدّم الرجل نفسه على أنه «حديديّ» لا يمكن إزاحته من المشهد السياسي بسهولة، مع أنّه لم يكبّد نفسه عناء إنشاء حزب أو قيادة تيار سياسي ولا شغل رأسه بالهرميات والتركيبات التنظيمية والتراتبيات… كل ما فعله هو نسج شبكة عنكبوتية مع رؤساء بلديات صاروا متجذّرين في بلداتهم، ومتمكنين من تأمين شروط «التمديد» لهم في صناديق الاقتراع.

ولهذا ثمة من يقول إنّ المنتصر الفعلي في استحقاق الأمس هم هؤلاء «الرياس» العابرون للتحالفات، الذين بإمكانهم التقاط مجد التفاهمات من طرفي نقيضها. فيركبون لوائح لا «تقريش» لها في السياسة ولا من منطق لفكّ أحجيتها.

نماذج لا تعدّ ولا تحصى عن رؤساء بلديات تمكنوا من الصمود بوجه عواصف التغيير، حتى أنّ بعضهم حضن وهضم ما لا يمكن أن يهضم في «بطن» واحد، ما أسعفهم على إنقاذ أنفسهم من عنق المعارك. هكذا عجز ساحل المتن الشمالي عن إحداث أي نقلة على طاولة الشطرنج البلدية، وعادت الوجوه ذاتها الى المسرح البلدي، في سن الفيل، الدكوانة، الجديدة، الزلقا، انطلياس، والضبيه. وحدها جل الديب شذّت عن القاعدة بفعل قرار رئيس البلدية ادوار أبو جودة التنحي، ومع ذلك ربح خطّ ميشال المر المعركة.

هكذا، حاول بعض العونيين تحميل البلوك الأرمني الطاشناقي تبعات الخسارة، لا سيما في انطلياس والضبيه وسن الفيل حيث يلعب الأرمن الدور المرجح. لكن مصادر الطاشناق تؤكد الآتي:

ـ في انطلياس التزم الحزب الأرمني بالصيغة التي تفاهم عليها مع اللائحتين الخصمين، مع أخذه بالاعتبار موزاييك العائلات التي تتشكل منه المنطقة، لكنه لم يخلّ بالاتفاق الذي يعرفه الفريقان وبمقدور صناديق الاقتراع أن تثبته حيث حرص على توزيع بلوكه ضمن صيغة محددة.

ـ في سنّ الفيل حصر الطاشناق أصواته بلائحة جوزيف شاوول كما اتفق مع قيادة «التيار الوطني الحر» الا أنّه لا ينكر أن الغلبة في هذه المنطقة ليست للطاشناق وانما لحزب الهانشاك.

ـ في الضبيه كان الحزب قد أتم اتفاقه مع رئيس البلدية قبلان الأشقر ضمن لائحة توافقية كان يفترض أن تشارك فيها كل القوى السياسية، الا أنّ التيار عاد وارتأى خوض معركة، لكنه، أي الطاشناق، لم يكن بإمكانه الطعن بالاتفاق المعقود مع الأشقر.

ـ في جل الديب التزم الحزب بالصيغة التي تمّ الاتفاق عليها أيضاً خصوصاً أنّ الاتجاه الأولي لـ «التيار الوطني الحر» كان بتشكيل لائحة توافقية، الا أنّه عاد ورجّح كفة المعركة بعدما تبدّلت حساباته، لكن الطاشناق لم يبدّل في التزاماته.

لا تنفي المصادر أن يكون ثمة انزعاج لدى بعض العونيين بفعل النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، ولكونهم كانوا ينتظرون أكثر من صناديق الأرمن، من دون أن يعني ذلك أنّ الطاشناق كان مقصّراً في أدائه، وهو مقتنع بأنّه أعطى ما يفترض أن يعطيه… ولكن في النهاية لا خشية من أن يترك الاستحقاق البلدي ندوباً على جسد العلاقة السياسية، كما تعتقد مصادر الطاشناق.

ولكن ماذا عن تفاهم «التيار الوطني الحر» و «القوات»؟

يقول أحد متابعي الشأن السياسي في المتن، إنّ الاستحقاق البلدي لم يكن الساحة الأمثل لاختبار التفاهم المسيحي، على أهميته، بفعل تداخل العوامل المحلية والعائلية التي تتغلّب دوماً على العامل الحزبي. كما أنّ التفاهم لا يزال طري العود بحيث يصعب على القيادتين ترجمته على أرض الواقع أو اقناع الناس به بسرعة قياسية، ويحتاج لمزيد من الوقت والتمرين كي تثبت قدماه نظراً للتراكم التخاصمي التاريخي الذي يستحيل محوه بين ليلة وضحاها. فاتفاق القيادتين شيء واتفاق القاعدتين شيء آخر وله شروطه المختلفة.

ويرى أنّ الأحزاب جميعها بدت مشوّهة في هذه الانتخابات خصوصاً في الحالات التي قررت فيها تجاوز العائلات فتكتّلت الأخيرة بوجهها، ولكن حين بقيت تظللت بعباءة العائلات بدا وضعها متيناً ومعاركها جيدة.

ولهذا يؤكد المؤيدون للتفاهم أنّ حالات التلاقي في المتن لم تكن بقليلة، وأبرزها في الساحل، في سن الفيل، جل الديب وانطلياس، وفي بيت مري، الفنار، عين سعادة، المتين..

وتكاد بسكنتا تمثل أبرز ساحات المواجهة بين الفريقين والتي انتهت بمناصفة الفوز بين اللائحتين الخصمين. أما الخنشارة مسقط رأس ملحم رياشي، أحد عرّابي التفاهم، فنجح الرجل في تحقيق انتصار نظيف بعد تحييد بلدته عن السياسة، وان خاضت معركة بثلاث لوائح بفعل إصرار بعض العونيين على «الكباش» مع أنّ قيادتهم تركت الحرية لحزبييها يوم الاقتراع. لكنّ ملحم الرياشي عاد وحسمها دعماً للائحة «المجتمع المدني» برئاسة أسعد الرياشي.

في المقابل، تعاملت بكفيا مع الاستحقاق «على القطعة» بحيث سعت لإبعاد السياسة قدر المستطاع عن مستنقع البلديات وفضّلت خوض معارك مضمونة النتائج بمعزل عن طبيعة تركيبها، سواء تعاوناً مع «أبو الياس» أو مع «القوات» ولكن من دون أي تنسيق على مستوى القيادتين.