في الذكرى السنوية الأولى للشغور الرئاسي، تقاطرَ نوابٌ مسيحيون الى بكركي، وتحلَّقوا في القاعة الكبرى على شكل مجلس عزاء، لأن البكاء يكون على رأس الميت.
هذا المشهد الحزين، يجعلنا نستعيد الى الذاكرة مرّة جديدة، حكاية ابي عبد الله آخر ملوك العرب في الأندلس، حين سلّم مفاتيح غرناطة الى فردينان وايزابيل، وانسحب مع بعض الفرسان الى إحدى الروابي المشرفة على المدينة وهو يذرف الدمع على التاج المضيّع، وفجأة ظهرتْ أمُّه على جواد أصيل، ولما سألها ما تريد أجابت: «ابكِ مثل النساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال».
ما هي الجدوى من الانقسام المسيحي أمام حائط المبكى في بكركي، فيما المسيحيون يتأرجحون بين مجلسين: مجلس النواب ومجلس العزاء؟
وماذا فعل النواب المسيحيون حتى لا يضيع التاج وحتى لا تظل رئاسة بعبدا فارغة الرأس، وحتى لا يظلّ الرأس الفارغ أفضل مسكنٍ للشيطان؟
وهل ينتظر النواب المسيحيون أن يوزّع عليهم بطريرك بكركي «صكوك الغفران» على غرار بعض بابوات القرن الخامس عشر؟ وأن يسلّم معهم بأن للتاج استدارة دائرية مرصودة على حجم بعض الرؤوس حتى ولو كانت هذه الرؤوس منتفخة بفعل الورم او معمَّمة بالشَعر المستعار؟
أليس لأنَّ الأقوياء قد استقووا على رئاسة الجمهورية سنة 1988، فتكرّست الرئاسة منذ ذلك الحين سلعة في سوق العبيد، وعبدة في سوق النخاسة وجارية للخليفة في قصر بعبدا؟
أوليس… لأنهم ما زالوا يستقوون على الرئاسة ويعلنون حقهم الحصري بها، ويحتكرون ارثها، ويكرِّسون شغورها، قد أصبحت واحدةً من سبايا التكفير الدستوري؟
ولأن الاقوياء يجهلون فوق جهل الجاهلين، ولم يتعلموا. ولم يقرأوا مفهوم القوة عند ابن خلدون بأنها لا تنبع من الأقوى بل من الأعلم، فإن رئاسة الجمهورية لا تزال شاغرة، وستظلّ شاغرة حتى يدرك الاقوياء أن القوة هي في الحكمة والمعرفة، وفي قراءة دروس التاريخ؟
وهل نسأل في المقابل ما اذا كان البطريرك الماروني سيستمر في توجيه عظاتٍ كهنوتية للنواب، وللنواب الموارنة تحديداً، ولا يعلن باسم الدستور انهم هم المسؤولون عن الشغور الرئاسي، فان هُمُ اتفقوا كان نصابٌ وكان انتخاب، وان تفرَّقت الغنم قادتْها العنزة الجرْباء؟
وهل سيكرر لهم غبطة البطريرك ما قاله الفيلسوف الفرنسي فولتير للأصوليين الكاثوليك «انْ شئتم ان تتشبَّهوا بالمسيح كما تزعمون فكونوا شهداء لا جلّادين؟».
اما اذا استمر غبطة البطريرك يصلّي عن نيّة الغائب، او عن نية مجالس العزاء فقد تنتهي صلاته بما جاء على لسان الشاعر:
صلّى وصَامَ لأمرٍ كان يطلبُهُ لّما انتهى الأمرُ لا صلّى ولا صاما