IMLebanon

جنازة بيريز وشعوري بالحزن

 

يوم الجمعة الماضي كنت أتابع جنازة شيمون بيريز، أحد رموز العدو الإسرائيلي، حيث استفاض الإعلام اللبناني والعربي فقط بانتقاد المشاركة العربية في هذه الجنازة، مع استعراض التاريخ الإجرامي لبيريز ومنها مجزرة قانا. ولقد شعرت بالحزن الشديد لتجاهل الإعلام اللبناني والعربي مصادفة الجنازة في ٣٠ أيلول مع ذكرى استشهاد الطفل محمد الدرة في العام ٢٠٠٠، كما تجاهلوا أيضاً الحديث عن كيف تم تكفل أطفال شهداء مجزرة قانا. وربما كان سبب ذلك النسيان هو أن عدد الأطفال الشهداء الآن من أشقّاء محمد الدرة في سوريا والعراق واليمن وليبيا قد أصبحوا بمئات الآلاف وعلى أيدي العرب أنفسهم، بالإضافة الى ملايين الأطفال المشرّدين من ضحايا المجازر العربية والذين لا يجدون من يكفلهم كما حصل لأطفال قانا.

شعرت بالحزن الشديد وأنا أتابع جنازة شيمون بيريز، عندما شاهدت رؤساء الدول الكبرى يتقاطرون لحضور جنازة رئيس الكيان الغاصب الذي قوّض مصداقية الأمم المتحدة وضرب بقراراتها عرض الحائط حتى فقدت مصداقيتها، في حين لا يزال هؤلاء يستخدمون حقّ النقض لمنع وصول المياه والدواء للأطفال العرب المحاصرين تحت ركام عمرانهم. وشعرت بالحزن الشديد وأنا أشاهد الحياة المستقرة للمستوطنين الصهاينة في حين يسكن مواطنو سوريا والعراق في خيام اللاجئين ويعاملون كالحشرات في أوطانهم ويُقتلَعون من حقولهم وبيوتهم وسكينتهم على أيدي المستوطنين الجدد من أبناء أمّتهم وأديانهم وديارهم.

شعرت بالحزن الشديد وأنا أستعرض تاريخ شيمون بيريز الإرهابي ومجازر العصابات الصهيونية، شتيرن والهاغانا والأرغون في أم الفحم ودير ياسين ووووووو… وكيف أصبحت تلك المجازر بمثابة أحداث عابرة وتافهة أمام المجازر التي ترتكب كل يوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وكيف تفوّقنا على العصابات الإسرائيلية وجعلناهم مجرّد هواة أمام احترافنا القتل والدمار وقطع الأعناق، بعد أن تغيّرت الطرقات نحو القدس وفلسطين حيث أصبحت تمرّ عبر  بعضنا وأرواحنا وقبورنا وبيوتنا وقرانا ومدننا، وأصبحنا أعداء لأنفسنا ونسينا يوم كانت اسرائيل قولا وفعلا عدونا.

شعرت بالحزن الشديد وأنا أشاهد جنازة بيريز كرئيس سابق للكيان الصهيوني وبمشاركة الرؤساء، ونحن في لبنان منذ عامين ونصف نتفنّن في عدم انتخاب رئيس للبلاد، ونقدّم رأس دولتنا هديّة مجانية للدول الأخرى ونعتبر ذلك ثقافة وعرفاً وطنياً رفيع المقام، لأنّنا لم ننتخب يوماً رئيساً صُنع في لبنان. وشعرت بالحزن الشديد لأننا أدرنا ظهورنا للعدو المتربّص على حدودنا، ونسينا أو تجاهلنا تهديداته وغدره وحقده. وأن شعوري بالحزن سيكون أكبر إذا تموضع العدو الاسرائيلي فجأة في ساحات النزاع الدائرة من حولنا وفي داخلنا، لأنّه سيجد بيننا من يرحّب به، لأن الكثيرين قد أصبحوا يفضّلون أن يقتلوا على أيدي عدوّهم وفي سبيل قضيّتهم الأولى وليس على أيدي أهلهم وأشقائهم وجيرانهم مع حزني الشديد، ومع اعتذاري الشديد من محمد الدرة الذي سرقت منا جنازة بيريز ذكرى استشهاده يوم الجمعة  في ٣٠ أيلول.