Site icon IMLebanon

مواكب التشييع «تسابق».. إطلالة نصر الله

وسط النكبات التي يتخبط فيها «حزب الله» ووسط الجراح والأوجاع التي يُعاني منها جمهوره، يُطل السيد حسن نصرالله بعد غد السبت، في المهرجان المركزي بمناسبة الذكرى العاشرة لحرب تموز عام 2006 تحت عنوان «زمن الانتصارات« في مدينة بنت جبيل. وقبل الإطلالة بيومين، ثمة من بدأ يتساءل في بيئة الحزب عن جدوى الخطابات والمهرجانات، في وقت هناك جثث لعناصر منه ما زالت في أرض المعركة في «حلب»، لم يتمكن رفاقهم من سحبهم حتّى الساعة، على الرغم من مرور أكثر من خمسة أيام على سقوطهم.

المهرجانات الخطابية أمر لا بد منه في قاموس «حزب الله»، والكلمات الحماسية أصبحت المتنفس الوحيد لبث الروح المعنوية في نفوس الجماهير وإستعادة زمن حشدها، لكن في المقابل، هناك فئة وهي أهالي القتلى، ما عادت تعنيهم المعنويات ولا حتّى التحريضات على القتال، فكل ما يعنيهم، هو الحفاظ على حياة ما تبقّى من شُبّان وإبقاؤهم بعيدين عن الدعوات إلى «التجنيد» تحت حجّة «استهداف» الطائفة الشيعيّة ونيّة «التكفيريين» قتل أبنائها، ودائماً ضمن عنوان «الواجب الجهادي».

التكهّن بما يُمكن أن يحتويه خطاب نصرالله، أصبح ساري المفعول منذ لحظة الإعلان عن موعد المهرجان. البعض ينتظر «النصر» الموعود منذ سنوات ويحلم بيوم الخروج من مستنقع الرعب الذي أصبح يُحاصره من كل الجهات. والبعض الآخر يحلم بالدعوة إلى «الجهاد» تحت راية نصرالله خصوصاً في ظل الدعاية التي ينشرها الحزب في أوساطه والتي تتحدث عن نيّة نصرالله بالتوجه إلى حلب للإشراف على سير المعركة. لكن بين هذا وذاك، ثمة فئة مُدركة أن «ما من شيء سوف يتغيّر« وأن «الإنزلاق والموت في هذه الحرب سيستمر إلى أن تأمر إيران بالعكس أو حتى يلقى آخر شيعي مصيره في هذه الحرب الملعونة».

يُجمع كل من يسمع خطابات قادة «حزب الله« من رأس الهرم إلى القاعدة، على أن جل أحاديثهم ما هي إلّا اعلان عن افلاس سياسي يعيشه الحزب وجماعاته في لبنان، نتيجة التخبط الذي يعانونه في أكثر من مكان وموقع. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الوضع في الضاحية الجنوبية اليوم هو نفسه مُنذ أن وضعها الحزب تحت «انتدابه»، اذ لا جديد سوى نوعية الفرمانات التي يتم اطلاعهم عليها بين الحين والآخر وآخرها ضرورة إتخاذ الحيطة والحذر من مجموعة أشخاص يُشتبه أنهم ينتمون إلى «داعش»، يُريدون تفجير أنفسهم في مكان ما داخلها، وآخر هذه التهويلات، الحديث عن سيارات مُفخّخة تمكنت من دخول الضاحية لكن من دون معرفة مصيرها. لكن «الراسخين» في علم «حزب الله» وباطنه، أصبحوا يُدركون بأن مثل هذه التسريبات، عادة ما تحدث إمّا إستباقاً لعمل عسكري في سوريا يُمكن ان ينتج عنه قتلى وجرحى بأعداد كبيرة، أو للتغطية على خسائر أصيب بها، وهو الأمر الذي ما زال يحصل في حلب منذ اسبوعين تقريباً.

ثمة معلومات خرجت خلال اليومين الماضيين من داخل بيئة «حزب الله»، تحدثت عن خسائر كبيرة للحزب في حلب وأن هناك عدداً كبيراً من «الشهداء» سقطوا في المواجهات، لكن من دون أن يتبنّى الحزب أياً منها، بل على العكس راح مسؤولوه السياسيون يتحدثون عن «إنتصارات» و»إنجازات»، وعن اكثر من الف قتيل في صفوف «التكفيريين»، لكن بالأمس اعترف الحزب بمقتل أربعة عناصر، منهم اثنان نعاهما في وقت متأخر. وأمس عاد الحزب وشيّع ثلاثة من عناصره سقطوا في حلب هم: علي محمد مظلوم من بلدة بريتال، مهدي ابراهيم صوان من بلدة يونين وجواد غصن من مشاريع القاع. وثمة معلومات تقول إن في المُقبل من الأيام، سوف يقوم الحزب، بتشييع المزيد من عناصره وذلك بعد انتهائه من الإجراءات التي تسلكها عادة عمليات دفن عناصره الذين يسقطون وتحديداً أولئك الذين يتواجدون في سوريا.

حتّى اليوم، لا إحصاءات رسميّة مؤكّدة لعدد عناصر «حزب الله« الذين سقطوا في سوريا منذ بداية الثورة ولغاية اليوم رغم أن المعلومات تُشير إلى أن العدد تخطّى الألفي مُقاتل، ومع هذا لم يخرج حتّى الساعة عن «مؤسّسة الشهيد« التابعة للحزب أي رقم مُحدّد في هذا المجال، بل على العكس، يُحكى عن أن هناك تلاعباً دائماً وتفاوتاً في أعداد القتلى بين ما يُعلنه السيد نصرالله أو الجهة المنوطة بإعلان أسماء القتلى في الحزب، وبين ما تؤكّده الوقائع الميدانيّة في سوريا وعمليّات التشييع ، خصوصاً وأن أي مُراقب لسير المعارك التي تدور في حلب يُمكن أن يُلاحظ أن العدد كبير جداً مُقارنة مع الحشود العسكرية التي يسعى الحزب إلى تأمينها خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الإسبوعين، وذلك في ظل الإستعدادات التي يتحضر لها للمعركة «الكُبرى» المُقبلة، وذلك بحسب ما يُسوق له «الإعلام الحربي».

الموت الذي يواجهه «حزب الله» في حلب وغيرها من المناطق السورية، قد جرى الترخيص له بتوقيع نصرالله يوم أعلن استعداده «التضحية بثلثي أبناء طائفته مُقابل أن يعيش الثُلث المُتبقّي بكرامة«، وذلك بعدما عجزت قيادة الحزب مُجتمعة، عن إيجاد حل أو مخرج للأزمة التي أوقعوا أبناء الطائفة الشيعية فيها. هذه الأزمة تحوّلت إلى كابوس أشبه بكوابيس «فييتنام« تضطرهم بين يوم وآخر للخروج إلى الإعلام لتوضيح أسباب خسارتهم عناصر من هنا وتبرير سقوط مناطق من أيديهم هناك، وكأن طبيعة عملهم انحصرت فقط في إطار التوضيحات ورفع التهم التي تُلاحقهم عنهم، وآخرها امتناع عدد غير قليل من العناصر عن الخدمة في «حلب».

ثمة من يعتبر، أن قيادة «حزب الله« مُجتمعة، تسير اليوم على منهج يقوم على طبيعة التأقلم مع القتل، مُستعيدة من التاريخ عبارات وشعارات نسجتها عقول بشريّة خدمة لمصالحها وروايات يُقتل أبطالها في سبيل «القضيّة«. والثابت الوحيد بين الواقع والخيال، هو أن الموت في سوريا، تحوّل إلى هاجس يومي يشغل بال جمهور الحزب. فمن بلدة إلى أخرى تتبدّل الأسماء وتتغيّر العناوين، لكن الحقيقة الوحيدة هي أن أبناء هذه البيئة ما عادوا يحلمون بعُمر طريّ يُشبه ربيع أطفالهم وأحلامهم بعدما أصبحت حياتهم أشبه بمحطة قطار، تودّع قتيلاً وتستقبل آخر.