IMLebanon

جاكيت فرو

نسبة الفقراء والمعوزين في لبنان الى ازدياد، ومثلها الفوارق الطبقية. طبعاً، خبرٌ مماثل كهذا، ليس جديداً ومفاجئاً، ولا يحتاج اثباته الى استفتاءات واحصاءات لأنه واضح وقاطع ومرئي بأمّ العين في شوارعنا وبيوتنا ومدارسنا الرسمية وسواها. لكنه بالتأكيد يستدعي تصعيد الغضب، والاستنكار، والقلق.

أعلم تمام العلم أن ظروفنا صعبة، بل صعبة للغاية. ليس هذا بيت القصيد. لكن ما يؤلمني أن ازدياد الفقر هذا يتزامن مع ارتفاع، واضح وقاطع بدوره، في ثروات الأثرياء، وخصوصاً المسؤولين السياسيين منهم. وهو ارتفاع مرئي أيضاً في مواكبهم، ومنازلهم، وسهراتهم، ولا يحتاج الى برهان.

لا يحتاج الى برهان، أقول، وإنما يحتاج قطعاً الى محاسبة. محاسبة فورية وبلا رحمة.

مئات الألوف من البشر يئنّون من الجوع والبرد، بينما فلان ينهب، وعلتان يبني القصور. أعتقد أن المسألة لاعقلانية، بل سوريالية. لنقل إنها مسألة أخلاقية. فمن البديهيات أن تعمد الدولة في الدرجة الأولى الى جعل شعبها يعيش حياة كريمة. لكن يبدو أن مثل هذه البداهة تغيب عن بال غالبية المسؤولين، كبارهم وصغارهم، وعن أولوياتهم، عندنا.

لماذا؟ لأن هؤلاء مشغولون بأمور كثيرة: السلطة، النَصب، المناصب، التفشيخ، الرئاسة، وهلم. في حين أن المطلوب واحد. وهذا الواحد المطلوب، هو سعادة الشعب وحياته الكريمة.

إنها مسألة تتصل بانهيار سلّم المقاييس والمعايير، بحيث أن دولة تسمح لقسم كبير من شعبها بأن يعاني الأمرين فقراً وهامشيةً وألماً، ناهيك بالخوف المتفاقم على المصير لأن البلاد على كف عفريت، في حين أنها هي، أي الدولة، تفرش بساطها أبعد من رجليها بكثير.

أراني معنية بمسألة كهذه، لأنها تدل على انهيار المفهوم الأخلاقي للدولة، ولرجالاتها. هذا الانهيار القيمي هو الذي يخوّفني، ولا “يجوز” التغاضي عنه. الشعور، شعور المسؤول بأن مثل هذا الأمر “طبيعي” وبديهي، يجعلني أسيرة الهلع والرعب من جرّاء ما آلت اليه القيم الإنسانية. علينا أن نخاف جميعاً. أن نخاف من أنفسنا أولاً، لأننا لم نعد نعرف الى أيّ حدّ جُرِّدنا من إنسانيتنا.

ثم يأتي مَنْ يلوم على تشجيع الجيل الجديد على مغادرة هذا البلد والبحث عن مستقبل أفضل وأكثر رقياً ولياقة واحتراماً للكرامات. تبادرني سيدة مجتمع وزوجة أحد المسؤولين الوجهاء، ليس أشطر منها في الوعظ والتنظير، مستنكرة: “كيف إلِكْ قلب تحكي هيك وتطفّشي شبابنا؟”.

مش أنا يلّي عم طفِّش الشباب يا مدام. يلّي عم تطفّشهم، جاكيت الفرو يلّي ع كتافِك.