الجديد والفاخر مقتصران على المغتربين وشريحة من الميسورين
لقد أصبح اليوم فرش منزل بكامله وفق دولار السوق السوداء يساوي سعر منزل وفق سعر الصرف الرسمي. فمنذ عام 2019، يشهد لبنان أزمة اقتصادية ومالية حادة متفاقمة بسبب تدهور سعر صرف العملة المحلية، والتضخم المتزايد، ونقص في السيولة المالية، مما أثر سلباً على جميع القطاعات الاقتصادية بما في ذلك قطاعا المفروشات والإلكترونيات، اللذان تأثرا بتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين وتضاعف الاسعار وزيادة في تكاليف الإنتاج والشحن، مما أدى إلى انخفاض الطلب على المفروشات والإلكترونيات وتراجع حركة المبيعات. فكيف أصبح اليوم أداء كل من القطاعين؟
حجازي: السعر قبل الجودة
ويشير أمين عام جمعية الصناعيين في لبنان بلال حجازي إلى أن “سعر السلع تحوّل إلى المعيار بدلاً من الجودة، وأصبح المستهلك اللبناني ينظر إلى السعر قبل الجودة وعلى أساسه يختار، بعدما كان يتباهى بتغيير أثاث المنزل كل سنة، حتى أنه لا يلجأ الآن إلى تجديد مفروشاته المنزلية والأدوات الكهربائية إلا في حال خرابها أو تعطّلها عن العمل. أما بالنسبة لمن يرغب في الزواج ويسعى لفرش بيته فهو يقتصد أيضاً، وبدلاً من فرش جميع الغرف دفعة واحدة، يكتفي بتجهيز الغرف الأساسية كبداية”.
إضمحلال الطبقة الوسطى
يفيد أحد العاملين في قطاع المفروشات “أن هناك تراجعاً ملحوظاً في حركة المبيعات. فمنذ بدء الأزمة حتى اليوم تراجعت نسبة المبيعات إلى ما بين 45 و55 بالمئة مما كانت عليه، والعوامل التي أدت الى هذا التراجع هي نفسها: أزمة اقتصادية خانقة، تقلبات في سعر الصرف، فيروس كورونا والدولار الجمركي، كلها عوامل أثرت على طلب الزبائن وخاصة الطبقة الوسطى التي لطالما شكلت صمام الأمان المجتمعي، والبيئة الفضلى لتحفيز النمو والاستقرار، أضف الى ذلك حال الموظف في الإدارات العامة والأجهزة العسكرية حيث أنه لا يتحمل هذه الكلفة العالية. وتبقى نسبة قليلة من الطبقة الثرية وبعض المغتربين الذين ما زالوا قادرين على تغيير وتجديد أثاث منازلهم والتوجه نحو المفروشات الفاخرة والغالية الثمن من جهة، ومن جهة أخرى وعلى الرغم من قدرتهم على دفع مبالغ باهظة، فهناك قسم منهم غيّر سلوكياته الشرائية وأصبح يبحث عن الحسومات”.
أصبح البيع بالدولار
أما بالنسبة للأسعار وطريقة التسعير، فيشير المصدر نفسه، الى “أنه تمّ العمل في بداية الأزمة على عدّة طرق لجذب الزبائن، ومنها الدفع عن طريق الشيكات المصرفية أو البطاقات المصرفية للمودعين الذين يرغبون بتهريب أموالهم من المصارف، وكذلك حسومات لمن يرغبون الدفع نقداً بالدولار، أو اعتماد سعر صرف أرخص من سعر الصرف في السوق الموازية. وهذه الظاهرة استمرت فقط لفترة محدودة، أي خلال سنة، أو سنة ونصف من بدء الأزمة. أما اليوم فلقد أصبحت الأسعار بالدولار النقدي فقط، خاصةً أن معظم المواد الأولية المستخدمة في هذا القطاع مستوردة من الخارج”.
الزين: الكلفة ارتفعت
“إن اللبناني يرفض الاستسلام ويحاول أن يبتكر طرقاً جديدة ليتمكن من الاستمرار رغم كل الصعوبات”، يقول هيثم الزين، وهو صاحب معرض هيثم، “ولكن تراجع الطلب في قطاع المفروشات أصبح واضحاً وتحديداً على البضاعة الفاخرة على الرغم من أسعارها المدروسة، حيث أصبح الطلب عليها يقتصر على نسبة قليلة من الميسورين في البلد والمغترب اللبناني. ويمكننا القول إن القطاع أصبح اليوم مبنياً على “دولارات” المغترب اللبناني تماماً مثل القطاع السياحي واقتصاد البلد ككلّ”. ويتحدث الزين عن المشاكل والصعوبات التي واجهها خلال عمله في المصنع والتي أدت إلى ارتفاع الكلفة وبالتالي ارتفاع الأسعار ويقول : “إن المشكلة الأساسية تتعلق بالمواد الأولية التشغيلية حيث أن معظمها مستورد من الخارج ويدفع بالدولار النقدي، إضافة إلى ارتفاع كلفة الشحن على المستوى العالمي وارتفاع أسعار المازوت. كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع الكلفة إلى حولي 30 و40 بالمئة”.
ويعتبر الزين أن “الدولة فشلت في فصل السياسة عن الاقتصاد، وكان من المفترض العمل على تسهيل التصدير إلى الخارج وفتح سوق الخليج العربي وتقديم تحفيزات للصناعيين. على سبيل المثال، فإن تصدير حاوية واحدة من لبنان إلى العراق تكلف 7000 دولار، ولكن تنخفض هذه الكلفة الى 1200 دولار في حال تم تصديرها من سوريا الى العراق، وبذلك يمكننا جذب الأجانب لشراء بضائعنا”.
طحان: الطلب على التصليح والـopen box
“وفي ما يخص قطاع الإلكترونيات، فإن حركة المبيعات تراجعت 60 بالمئة في بداية الأزمة، ثم إلى 50 بالمئة، أما اليوم فقد سجلت تراجعاً إلى حوالى 40 بالمئة”، كما يقول رئيس مجلس إدارة شركة عبد طحان توفيق طحان، “وذلك لأن الطبقة الميسورة هي التي تشتري أهم الماركات ذات الجودة العالية. أما بالنسبة للإلكترونيات ذات الجودة المتوسطة والتي كانت تطلبها الطبقة الوسطى، فقد تراجع الطلب عليها نظراً لتقلّص الطبقة الوسطى في لبنان”.
وكانت الطبقة الثرية تشتري كل سنة أدوات جديدة. أما الطبقة المتوسطة فعندما يحصل خراب ما في أدواتها تلجأ إلى شراء البديل، أما اليوم فهي تحاول أولاً صيانة الأدوات، وعندما لا تجد نتيجة تضطر إلى شراء أدوات مستعملة وopen box . ويشير طحان “إلى زيادة الطلب على الصيانة، لذلك تم توسيع وتطوير عمل قسم الصيانة والتصليح لدينا بهدف خدمة الزبائن. أضف إلى ذلك ارتفاع الطلب على أدوات الـ open box وهو مصطلح يستخدم في مجال بيع التجزئة للمنتجات الإلكترونية والكهربائية ، والذي يعني أنه تم فتح الصندوق الخاص بالمنتج واختباره من قبل المتجر أو المورد ولم يتم استخدامه بعد. ويعني هذا أن المنتج يكون بحالة ممتازة، وقد يحتوي على بعض العيوب الطفيفة أو الخدوش الصغيرة التي قد تكون نتيجة لاستخدام المنتج في المعرض، ويتم بيع الـ open box بأسعار أقل من المنتجات الجديدة”.
باختصار، يلعب كل من قطاعي الإلكترونيات والمفروشات في لبنان دوراً مهماً، حيث يوفران فرص عمل ويقدمان خدمات ومنتجات تلبي الاحتياجات المحلية، ومن المفترض حماية هذين القطاعين من الاقتصاد غير الشرعي الذي زاد التنافس وقلل الفرص المتاحة للشركات والمتاجر الشرعية. لذلك على الحكومة والجهات المعنية تعزيز التنظيم وتفعيل القوانين لمكافحة الأنشطة غير القانونية، كما يمكن تعزيز الوعي بين المستهلكين بشأن خطورة شراء المنتجات المزيفة.