ماذا سوف يحمل معه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومستشاره الخاص، إذا ما عاد إلى بلاده بعد عدة أيام قضاها في المنطقة هذا الأسبوع؟!.. وسؤال آخر: ما الذي كان يحمله معه إلى منطقتنا، في المقابل، عندما بدأ جولته من عمان، ماراً بالقاهرة، ومنتهياً بتل أبيب؟!
أما الذي يحمله معه إلى واشنطن، فليس سراً، ولا هو في حاجة إلى تخمين، ولا إلى اجتهاد، لأنه كان معلناً على الملأ في الأردن مرة، وفي مصر مرة ثانية.. وفي البلدين سمع برفقة جيسون غرينبلات، مبعوث ترمب للسلام في الشرق الأوسط، المعاني نفسها، سواء من الملك عبد الله الثاني، عاهل الأردن، أو من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي!
وعندما تحدث هو عن جولته، إلى صحيفة «القدس» التي تصدر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم يشأ أن يُخفي العنوان الأهم فيها، وكان العنوان أن القادة العرب الذين التقاهم، متمسكون بدولة فلسطينية على حدود الخامس من يونيو (حزيران) 1967، عاصمتها القدس الشرقية.. ولم يكن يذيع سراً وهو يقول هذا الكلام، فالذين تابعوا جولته في العاصمتين، رأوا كيف أن ما سمعه من رئيس مصر، هو نفسه ما سمعه من ملك الأردن، وأن رسالة الرئيس والملك معاً، أن في القضية الفلسطينية خطوطاً حمراء ليس من الممكن تجاوزها، وأن من بين هذه الخطوط، القدس الشرقية باعتبارها عاصمة لدولة فلسطين في لحظة الإعلان عن قيامها، ثم حدود الخامس من يونيو، بوصفها حدود هذه الدولة التي لا سبيل إلى الفصال فيها، ولا إلى الجدل حولها!
وعندما يقال إن ما سمعه من القادة الذين جلس إليهم، هو كذا، وكذا، على وجه التحديد، فالمعنى المسكوت عنه أن كوشنر ومعه غرينبلات، لو قُدر لهما أن يدورا على باقي العواصم العربية، عاصمة عاصمة، فسوف يسمعان الحديث نفسه، وسوف يحملان الرسالة ذاتها إلى سيد البيت الأبيض، وسوف تكون الخلاصة أنه لا توجد عاصمة عربية، إلا وتؤيد اتخاذ القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية في المستقبل، وإلا وترى حدود الخامس من يونيو حدوداً لتلك الدولة المرتقبة ليس من الممكن التنازل عنها!
وعواصم العرب لا تؤيد الأمرين فقط، ولكنها تتمسك بهما، ليس بالطبع عن رغبة في الاختلاف مع إدارة الرئيس ترمب، لمجرد حب الاختلاف، ولا عن قصد العناد معها، فبين الولايات المتحدة والكثير من العواصم العربية علاقات لها تاريخ، ولكن لأن المطلبين الاثنين يمثلان مطلباً موحداً لكل فلسطيني، سواء كان في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، أو يعيش خارجهما لاجئاً ينتظر أوان العودة، وسواء كان على وفاق مع السلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس، أو كان على غير وفاق معه، وكذلك الحال مع سلطة حركة حماس في القطاع، وبما أن هذه هي قناعة أصحاب القضية أنفسهم، وبما أن هذا هو يقينهم، فإنهما.. القناعة واليقين.. قناعة ويقين راسخان لدى كل عربي يناصر إخوانه في الأرض المحتلة بأضعف الإيمان!
فالرسول عليه الصلاة والسلام، قال ما معناه أن كل واحد ممن يؤمنون برسالته، مدعو إلى تغيير كل منكر يراه بيده، فإن لم يكن بيده، فبلسانه، فإن لم يكن بلسانه فبقلبه.. وذلك أضعف الإيمان.. ولن يختلف اثنان على أن الاحتلال، سواء كانت الأرض المحتلة فلسطينية، أو غير فلسطينية، هو منكر، وليس أمام العربي الذي لا يستطيع في الحالة الفلسطينية إنهاءه بيده، أو بلسانه، إلا تغييره بقلبه، فلا يعصي الرسول الكريم!
ولا يذهب الرئيس عباس إلى عاصمة عربية، إلا ويسمع أن ما يراه هو، ويراه شعبه، كأصحاب قضية، موضع تأييد، ودعم، ومُساندة، ومُساعدة، على المستوى السياسي وغير السياسي!.. وهذا تحديداً هو ما لا تزال الإدارة الأميركية في حاجة إلى فهمه، واستيعابه، وإدراكه!
وقد نعرف أن كوشنر وغرينبلات سمعا كلام العاصمة والحدود، في المحطتين الأهم من محطات جولتهما، ولكننا أبداً لا نعرف ماذا قال الرجلان، ولا بماذا كان ردهما حين قيل لهما بأوضح لغة، إن الحل في القضية يبدأ من عند القدس الشرقية، وينتهي عند حدود 67!.. لا نعرف.. مع أن المنطق كان يقتضي أن يُبادلا المسؤولين في العاصمتين وضوحاً بوضوح، وأن يقولا لأصحاب القضية، وللمتعاطفين مع أصحاب القضية، ماذا تقصد إدارة بلدهما بالضبط، وهي تتحدث منذ فترة عن شيء اسمه صفقة القرن؟!
إن جولة الصهر والمبعوث ليست مفاجئة، لأن الحديث يدور حولها منذ وقت مبكر، وهي لم تشكل مفاجأة لأحد في المنطقة، لا في توقيتها، ولا في عضويها الاثنين، ولكنها شكلت ولا تزال تشكل غموضاً في مضمون موضوعها على الجانب الأميركي، لأن الكلام عنها منذ كانت فكرة، كان عن أن الصهر ومعه المبعوث، سوف يقومان خلالها بالترويج لما صار يُعرف إعلامياً بصفقة القرن!
وإذا افترضنا أن هذه الصفقة سلعة، وأن صاحبيها قد حضرا بقصد الترويج لها، لترغيب الناس فيها، فالطبيعي أن يتعرف الراغب في هذه السلعة، أو الذي يراد له أن يرغب فيها، على أوصافها، وشكلها، ولونها، وطعمها، وكل ما يجعله يُقبل عليها، أو يرفضها.. وهو ما لم يحدث إلى الآن، ولا حدث حتى شيء منه، رغم أن الرئيس ترمب وفريق عمله يتداولون الإشارة إليها، منذ بدأ الرئيس يستقر في مكتبه البيضاوي!
وربما يكون تعبير «الإشارة إليها» هو أصدق وصف للطريقة التي يجري التعامل بها مع الموضوع، منذ بدأ، فالجميع في منطقتنا يسمعون أن هناك صفقة تعرضها الإدارة الأميركية، حلاً للقضية، ويسمعون أنها ليست فقط صفقة، ولكنها صفقة قرن بكامله، دون أن يقال لهم شيء.. أي شيء.. عن دواعي إطلاق هذه التسمية عليها، ولا عن مضمونها طبعاً!
فكيف يمكن الترويج لشيء هذه هي مواصفاته، وكيف يظن الذين يُروجون لهذا الشيء، أن جمهوره سيقبله هكذا، أو سيهضمه، وهو على هذه الحالة العجيبة، ليس فقط من حيث الغموض المُطلق الذي يحيط به، ولكن كذلك من حيث الشكوك التي تدور حوله، والظنون التي يتحرك بينها؟!
لقد عرفنا ماذا سوف يحمل الصهر والمبعوث، من المنطقة إلى الشاطئ الآخر من الأطلسي.. وبقي أن نعرف ماذا يحملان من ذلك الشاطئ إلينا؟!