IMLebanon

المستقبل مذعور ويخشى دفع الـ«ثمن»: قانون النسبية

اذا كان حزب الله «متوجسا» فقط من استغلال الحراك الشعبي المطلبي، من قبل اطراف خارجية او داخلية، لحرفه عن عناوينه المعلنة وجر البلاد الى الفوضى، فان تيار المستقبل يعاني من ازمة وجودية تهدد ما تبقى له من «ماء وجه» لدى جمهوره، لان اصل الحراك وشعاراته تستهدف «المدرسة الحريرية» كمنظومة، فيما يواجه صعوبة كبيرة في حرف الانظار للتصويب على الحزب. فلماذا «المستقبل» في مأزق؟ وما هي اسباب القلق؟ وماذا عن «انتهازية» الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري؟

طبيعة الازمة تمتد من بيروت الى الرياض، وآخر تجلياتها الموقف من تورط قطر بالاحداث الاخيرة، ووفقا لمعلومات اوساط سياسية مطلعة، عندما خرج وزير الداخلية نهاد المشنوق بتصريحه الشهير حول تورط دولة «عربية» بالاحداث الاخيرة في بيروت عبر شاشة «العربية»، ظن الرئيس سعد الحريري ان الموقف منسق مسبقا مع دوائر القرار السعودية، لكنه فوجىء بعد ساعات قليلة بمراجعة من احد مستشاري الديوان الملكي حول طبيعة هذا الموقف وخلفياته، فكانت المفاجأة «الصاعقة» بعد مراجعة المشنوق انه سبق ونسق مع شخصية سعودية نافذة تتبنى مواقف متشدد من الدوحة، ويتعارض موقفها مع موقف الديوان الملكي، فاحرج الرئيس الحريري وطلب منه اصدار البيان «الاعتذاري»، وفي الخلاصة دفعت قيادات المستقبل من «كيسها» ثمن الارباك السياسي في المملكة، وثبت «بالوجه الشرعي» ان لكل قيادي «ازرق» «مربط فرس» هناك، وثبت ايضا ان الوزير اشرف ريفي اكثر الشخصيات قربا من الدوائر الامنية السعودية، ولذلك فهو نادرا ما يرتكب الاخطاء.

وبالعودة الى اسباب «القلق» من الحراك الشعبي فتبدأ من رئاسة الحكومة تقول الاوساط، حيث يتبوأ الرئيس تمام سلام المنصب «بالوكالة» عن تيار المستقبل ولا يمكن لاحد الادعاء انه جاء الى السلطة بأسم آل سلام او لوزنه الانتخابي او السياسي في الشارع السني، والتصويب على الحكومة يصيب رئاستها مباشرة لان السلطات الممنوحة لرئيس الوزراء تجعله مسؤولا مباشرا عن اعمال الحكومة والوزراء، وتجعل منه المسؤول الاول والاخير عن كل «الموبقات» والاخفاقات المرتكبة فكيف اذا كان الوزراء من المحسوبين عليه. وفي الخلاصة فان موقع رئاسة الحكومة اليوم يتعرض للاهتزاز بفعل التصويب المتواصل عليه، هذه المرة لا ابعاد مذهبية يمكن استثمارها لتحشيد رأي عام مذهبي في المقابل، وكما ساهم «التيار الازرق» سابقا في تهشيم موقع رئاسة الجمهورية، «يتذوق اليوم» طعم المرارة ذاتها، دون ان يملك الادوات او القدرة على انقاذ «ماء» وجه الموقع او رئيس الحكومة.

المعضلة الثانية تتمثل في نوعية الوزارات المسندة لتيار المستقبل، فالحرب الشعواء التي خيضت خلال تشكيل الحكومة للحصول على وزارات «نوعية» يدفع ثمنها اليوم «التيار الازرق» بعد ان بات في دائرة الاستهداف، فالوزارات الامنية لم تحقق له مبتغاه، بعد ان ظن ان وضع اليد على «الداخلية» و«العدل» واسناد «الدفاع» الى الحليف ميشال سليمان ستسمح له بـ «حصار» حزب الله والتضييق عليه بملفات حساسة سبق ان كانت خارج دائرة نفوذ «المستقبل»، واثبتت الاحداث قصر نظر من عمل يومها على هذه «الطبخة» التي سرعان ما خرجت منها «رائحة الشياط» بعد ان وجد الوزير نهاد المشنوق والوزير اشرف ريفي نفسيهما في مواجهة «الشارع السني» بفعل اضطرارهما لاتخاذ قرارات صعبة املتها ضرورات اقليمية ودولية ادت الى خسارة «الحاضنة» الشمالية وجعلت الوزيرين «المتنافسين»وجها لوجه في صدام تجاوز»الخطوط الحمراء» ولم تهدأ الامور الا بعد تدخل سعودي مباشر اثر فشل الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري في ضبط قواعد «اللعبة»، واليوم تجد «الداخلية» نفسها انها في مواجهة «الحراك السلمي».

أما الطامة الكبرى فجاءت من الملف البيئي اثر انقلاب النائب وليد جنبلاط على التفاهمات السابقة بعدم اقفال مطمر الناعمة، فانفجرت الازمة في وجه تيار المستقبل المتهم من جهة بالسمسارات ونهب المال العام من خلال حماية شركة سوكلين، وبالفشل في ايجاد الحل للكارثة البيئية باعتبار ان رئاسة الحكومة والوزير المعني جزء من فريقه السياسي، فجاء الفشل مزدوجا، امنيا من خلال ارباك وزارة الداخلية التي سعى الوزير مرارا وتكرارا الى توريط الجيش في المعمعة ولم ينجح، في وقت يشعر فيه ان هناك من يواصل «الحفر» له داخل «التيار الازرق»، في المقابل لم يستطع وزير البيئة تقديم الحلول وشعر مع رئيس الحكومة ان تيار الرئيس السنيورة داخل «المستقبل» غير معني بتقديم اي مساندة بل في كثير من المواقف كان الشعور بان ثمة تقصداً لاثبات فشل خيارات المعنيين في الداخل والخارج في الرهان على الرئيس سلام وفريق عمله لادارة الدفة في هذه المرحلة.

وداخل تيار المستقبل من يتحدث اليوم عن «انتهازية» الرئيس السنيورة ومعه نائبة صيدا بهية الحريري اللذين لا يبدوان منزعجين كثيرا من «الهبة الشعبية» في الشارع، رغم اضرارها المباشرة على تيارهما السياسي، ويعتبران الامر «عاصفة في فنجان» ستنتهي عاجلا او آجلا، لكنها جاءت في توقيت مناسب لانها حجبت الرؤية عن ملف اعتقال الشيخ احمد الاسير الذي لم يعد لقضيته اي أثر على المستويين الاعلامي والسياسي، وهذا ما يفترضان انه سيجنبهما المزيد من الاحراج بعد ان بدأت تتفكك منظومة الدعم الخاصة به وجل المتورطين فيها يدورون في فلك نائبي صيدا، وغياب القضية عن المشهد يسمح بايجاد تسويات من تحت «الطاولة» كما جرى التعامل مع تورط مدير المشتريات في مجدليون باخفاء الاسير وعائلته بعد اتكابه جرم قتل الضباط والعسكريين في عبرا.

هذه «المصلحة الانية» لنائبي صيدا، لا تخفي قلق الرئيس الحريري من استعادة الشارع اللبناني لشعار «محاسبة الحريرية السياسية» على الفساد المستشري في الدولة، وعودة الكثير من الرموز «الناقمة» على فلسفة هذه «المدرسة» تقلق «زعيم» تيار المستقبل خصوصا ان وسائل الاعلام «المدجنة» خرجت من «مظلته» وهي تتصدر اليوم المشهد وتشكل رأس حربة في تبني الحراك المدني الذي سيصيب اولا واخيرا المنظومة الاقتصادية والسياسية التي يرعاها، خصوصا ان «مزحة» توريط حزب الله والتصويب عليه باعتباره مسؤولا عن الازمات الاقتصادية والفساد في البلاد لا يمكن ان تنطلي على احد ولا يمكن تسويقها، وهي «معركة» خاسرة لا تستاهل صرف الوقت والمال عليها. والانكى من كل ذلك ان ما عمل عليه تيار المستقبل من جهد لتشويه صورة حزب الله تحت عنوان مشاركته في الحرب السورية «والسلاح غير الشرعي» و«سرايا المقاومة» وغيرها من العناوين الاخرى، تراجعت الى الوراء ولم تعد في صلب اهتمام اي من اللبنانيين خصوصا جمهور قوى 14 آذار.

اما الخشية الكبرى فتتمثل في «الفاتورة» السياسية التي قد يضطر تيار المستقبل الى دفعها لتقليص الخسائر ووقف الانهيار المادي والمعنوي المتراكم، ففي غياب اي افق للتفاهم على الانتخابات الرئاسية، ثمة مخاوف من رضوخه للموجة العالية المطالبة بتعديل قانون الانتخاب واعتماد قانون جديد يتبنى النسبية، وهنا ستكون الخسارة مدوية، وقد بلغ استياء «القيادة الزرقاء» مستوى عالياً جدا بعد تبني القوات اللبنانية دون شروط معلنة لقانون النسبية، وهو ما اعتبره الرئيس السنيورة من علامات انهيار الموقف الصلب لقوى 14 آذار، وعندما بادر خلال اتصال هاتفي الى «معاتبة» رئيس القوات سمير جعجع على موقف نائبه جورج عدوان في المجلس النيابي، بادره «الحكيم» بالسؤال عن الموافقة المتسرعة على المشاركة في «طاولة الحوار» دون اي تشاور مسبق مع الحلفاء، فكان الجواب ان القرار اتخذ في السعودية وعندما «غرد» الرئيس الحريري لم يستشر احداً داخل «المستقبل»! جواب لم يقنع «الحكيم» لكنه زاد من «هواجسه» حيال الحليف «الازرق» المذعور والذي قد يتسبب «باغراق» السفينة.