«المستقبل» ينبّه لمحاذير الانتخابات قبل الرئيس
معادلة الحريري: جراحة تجميلية لتمديد بشع
تبدو الساحة السياسية أسيرة النيات المضمرة لأطرافها.
قليلون هم الذين يجاهرون بحقيقة خياراتهم حيال الاستحقاق الرئاسي وهوية الرئيس المفترض للجمهورية.
وقليلون هم الذين يبوحون بحقيقة نظرتهم الى استحقاق الانتخابات النيابية واحتمال التمديد.
انه صراع الأقنعة.. لا الإقناع.
وإذا كان خصوم «تيار المستقبل» يعتبرون ان له حساباته الخاصة التي تدفعه الى المطالبة بتأجيل الانتخابات، وفي طليعتها خشيته من ان تكشف صناديق الاقتراع عن حجم تمدد التطرف في شارعه، إلا ان الرئيس سعد الحريري حاول ان يأخذ الامور في اتجاه آخر عندما قال: لا انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية.
بهذا الموقف، يكون الحريري قد انتقل من الدفاع الى الهجوم، وأعطى خيار التمديد المكروه وغير الشعبي «معنى ساميا»، بعدما أخضعه لـ«عملية تجميل»، وحوّله من إجراء مسيء للديموقراطية الى إجراء محفّز لها، من خلال اشتراطه انتخاب رئيس الجمهورية لإجراء الانتخابات البرلمانية.
أكثر من ذلك، بدا الحريري في الشكل أشد حرصا على موقع الرئاسة من المسيحيين الذين ترفض قواهم الرئيسية التمديد، كما يؤكد باستمرار العماد ميشال عون الذي سبق له الطعن في التمديد السابق، وكما يردد حزبا «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، أقله في العلن، بل إن النائب جورج عدوان قال إن «القوات» ستصوّت ضد التمديد إذا طُرح على جلسة تشريعية.
لكن المفارقة، ان الحريري ربط حماسته للتمديد باعتبار مبدئي ينطلق من وجوب عدم الانتقال الى الانتخابات النيابية قبل إنجاز «الرئاسية»، ولم يأت عبر تغريدته على ذكر اعتبارات أخرى، في حين ان أحد أبرز ممثلي «المستقبل» في الحكومة وزير الداخلية نهاد المشنوق برر الحاجة الى التمديد للمجلس بغياب الأمن السياسي وارتفاع منسوب المخاطر الأمنية التي تحول دون ضمان سلامة الانتخابات، في ظل أوضاع إقليمية ملتهبة.
ولكن، كيف يفسر «تيار المستقبل» مبادرته لتقديم ترشيحاته الى انتخابات يرفض المشاركة فيها؟
تبرر أوساط بارزة في «التيار» هذا التصرف بالقول إن الترشيحات قُدمت على أساس ضرورة السعي الى إجراء الانتخابات الرئاسية، قبل موعد الانتخابات النيابية في 16 تشرين الثاني المقبل، لافتة الانتباه الى ان إمكانية حصولها ضمن هذه الفترة تبقى واردة، وفي هذه الحال يمكن ان تليها على الفور الانتخابات البرلمانية، ما استدعى ان يكون مرشحو التيار في جهوزية تامة تحسبا لهذا الاحتمال.
ولئن كان موعد الاستحقاق النيابي وشيكا، ما يستوجب ممن يُظهرون حرصا على الأصول الدستورية وانتظام المؤسسات احترام المهل والتقيد بها، انسجاما مع الخطاب المعلن، غير ان أوساط «المستقبل» تلفت الانتباه الى ان موعد الانتخابات الرئاسية استحق في 25 أيار الماضي، وبالتالي يجب ان يُعطى الأولوية، بـ«مفعول رجعي»، لا القفز فوقه واعتماد الاستنسابية والانتقائية في التعامل مع الاستحقاقات.
وتنبه الأوساط الى محاذير حصول الانتخابات النيابية في ظل غياب رئيس الجمهورية، مشيرة الى انه بعد إتمامها تصبح الحكومة مستقيلة حُكما، ومن ثم يتوجب على رئيس الجمهورية إجراء استشارات ملزمة لاختيار الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، فكيف يمكن ان تنتظم هذه الآلية ما لم يتم أولا انتخاب الرئيس الذي يُفترض ان يقودها؟
وتتساءل أوساط «المستقبل» عمن يحتمل من النواب غير الشيعة، إذا جرت الانتخابات قبل معالجة الشغور الرئاسي، انتخاب رئيس المجلس، من دون ان يكون هناك رئيس للجمهورية ولا رئيس للحكومة؟ وتشير الى ان ربط الانتخابات النيابية بـ«الرئاسية» يشكل ورقة ضغط للدفع في اتجاه التسريع باختيار رئيس الجمهورية.
وتدعو الاوساط الى عدم التوقف كثيرا عند التصريحات التي تعارض التمديد، معتبرة انها لا تعبر في معظمها عن جوهر المواقف الفعلية، ولافتة الانتباه الى ان الاعتراضات المسيحية تندرج في الجزء الأكبر منها ضمن المزايدات بين مسيحيي «8 و14آذار»، ولا يجب تحميلها أكثر مما تحتمل.