رأي «التيار الوطني الحر» ورئيسه الوزير جبران باسيل بـ»الحريرية» السياسية والإقتصادية، ليس بجديد. ومحاولة «التيار» إستعادة سُلطة مارونية ضائعة، يَعتبر أنها انتقلت إلى السُنّة، ليست بالأمر الخفي. أمّا التسوية الرئاسية التي جمعت التيارين الأزرق والبرتقالي على الموجة نفسها، فتأتي في سياق «فنّ المُمكن» والمصلحة المشتركة، ولم تكن يوماً أبعد من ذلك. فوجهات نظر التيارين السياسية – الإستراتيجية مختلفة إلى حدّ التعارض. أما النفور بينهما، خصوصاً على مستوى القاعدة، فلم تحدّ التفاهماتُ منه. فما هو مستقبل العلاقة بين التيارين، والتسوية… إلى أين؟
تفاقَم السجال العلني أخيراً بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، على خلفية الحكم بتبرئة المقدم سوزان الحاج والاتّهامات بتسييس هذا الملف، إلى كلام باسيل حول صعود «السنّية السياسية» على جثة «المارونية السياسية» والحديث عن معركة يخوضها باسيل للإطاحة بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان… وصولاً إلى اتّهام نواب من «التيار» لقياديين في «المستقبل» بمساندة الإرهابيين، بعد الجريمة الإرهابية التي ارتكبها الإرهابي عبد الرحمن مبسوط عشية عيد الفطر في طرابلس.
الردود والردود المُضادة بين التيارين، قيادات وحزبيين، احتلّت الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الإجتماعي، ولم يخفّف من حدتها توضيح باسيل أنّ الكلام عن «السنّية السياسية» مُخترَع وأنه لم يتحدث يوماً عن إقالة عثمان. وفي هذا الوقت، علا صمت رئيس الحكومة سعد الحريري على كلّ الأصوات.
في اليومين المنصرمين تراجعت حدة وتيرة الردود بين الطرفين، إذ إنّ لكل سجال نهاية، وليس لأنّ تفاهماً ما أو اتصالاً جرى بين الطرفين لتبريد الأجواء. فالقياديون والمسؤولون في «المستقبل» لم يتبلّغوا من قيادتهم وقف السجال. وتقول مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية»: «في الأساس لسنا نحن مَن نبادر الى الهجوم بل نردّ على أيّ كلام يتطلب الرد».
لكنّ الحريري لم يلجأ شخصياً إلى السجال أو خرج عن طوره، بل بقي صامتاً لأنه يرى أنّ اللغة الأبلغ في هذه اللحظة السياسية هي الصمت، إلّا أنه لم يطلب من قياديي «المستقبل» وكوادره أن يلتزموا الصمت بدورهم.
وعلى رغم من أنّ قياديي «المستقبل» يلتزمون سقف الحريري في ردودهم ويحترمون التفاهم القائم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إلّا أن هذا التفاهم لا يعني بالنسبة إليهم السكوت عن إستهداف بهذا النحو، فعدم الرد سيُخرج القاعدة عن طورها وستعتبر أنّ «المستقبل» وقيادييه «بايعين كل شي»، خصوصاً بعد محطات عدة رأت فيها «نكسات وتراجعاً».
وتقول مصادر «المستقبل»: «هناك منطق شعبوي استخدموه في مواجهتنا سابقاً وما زالوا يستخدمونه إلى الآن. فباسيل بنى زعامته على الكلام الشعبوي وعلى الطرح الطائفي، بغض النظر إن كان هو شخصاً طائفياً أم لا، فهو يسعى إلى السلطة ووجد أنّ طروحاته استمالت قاعدة شعبية وإستمراره في السلطة قائم على هذا الأساس».
وتؤكد المصادر أنّ «ردّ «المستقبل» والقيادات السنّية بهذه القوة هو الذي أجبر باسيل على التراجع عن موقفه»، لافتةً إلى أنّ «ردَّنا سيكون دائماً عـ«القطعة». فحين يحصل تمادٍ نردّ على الذي يتكلّم وليس على العهد».
وعلى صعيد التسوية الرئاسية، فهذا السجال لن يترك أثراً كبيراً، لأنّ الأسباب التي بُنيت عليها التسوية ما زالت قائمة بالنسبة إلى الحريري، الذي يعتبر أنّ الخلاف السياسي بين التيارين أمر واقع ويشمل كثيراً من القضايا المحلية والخارجية، لكن على رغم من هذا الخلاف يرى الحريري أنه يجب إيجاد طريقة لتأمين الاستقرار ولكي تكون تداعيات الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية أقل كلفة على الناس ممّا ستكون عليه لو كان هناك خلاف.
وإنّ هاجس الحريري هو «الإستقرار» لإمرار المرحلة العصيبة بأقل مقدار ممكن من الضرر، فبالنسبة إلى رئيس «التيار الأزرق» إذا لم يستفد لبنان من «سيدر» سيصبح وضعُنا أسوأ بكثير. و«سيدر» يتطلّب إستقراراً، أمّا إذا دخل طرفا التسوية الرئيسين في سجال علني متواصل فكل الذي تمّ العملُ عليه، سيتأخّر تنفيذُه أو سيتبخّر.
أمّا على صعيد العلاقة بين «التيارين»، فأتى السجال ليؤكّد شبه إستحالة تحوّلها حلفاً حقيقياً. فهذه العلاقة على عكس علاقة «المستقبل» بـ«القوات» غيرعميقة أو متينة. فعلى رغم من التوتر والخلاف بين «المستقبل» و«القوات» في أكثر من محطة إنتخابية ووزارية وسياسية منذ 2005 إلى الآن، إلّا أنّ الإحترام بين القاعدتين ظلّ قائماً وكذلك تقبُّل كلّ طرف الآخر.
فالإحترام الذي كسبه رئيس «القوات» سمير جعجع وقياداتها لدى قاعدة «المستقبل» كان كبيراً خلال السنوات الماضية، في المقابل الإستفزاز الذي لمسته هذه القاعدة من «التيار الوطني الحر» والذي وصل بالنسبة إليها إلى قلّة الإحترام والتقدير، فلا يُمحى من الذاكرة، حتى لو تمّ التغاضي عنه في التسوية الرئاسية إحتراماً لرغبة الحريري. وتعتبر هذه القاعدة أنّ «التيار الوطني الحر» لم يساهم في طمأنتها ولم يبدر عنه أيّ إعتذار أو نيّة للإقلاع عن أسلوبه ومنطقه في التعاطي مع «المستقبل».
أما على الصعيد السياسي ـ الإستراتيجي، فهناك اختلافات جذرية بين التيارين الأزرق والبرتقالي، من النظرة الى المنطقة إلى النظرة للعلاقة مع سوريا واللاجئين السوريين والدول العربية وإيران… أما حلف «التيار الحر» الثابت مع «حزب الله» منذ 2008 فله التأثير الأكبر على قاعدة «المستقبل».
وبالنسبة إلى «التيار الأزرق» لم يتمكّن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الآن من إعطاءِ انطباعٍ أنه ينوي حسم قضية «السلاح غير الشرعي»، فهناك كلام عن إستراتيجية دفاعية بلا فعل، على رغم وعد في السابق أنه حين يصبح رئيساً للجمهورية سيطرح الإستراتيجية الدفاعية».
بالتالي لا يُمكن «إصلاح» العلاقة المتشظّية بين التيارين من دون حوار حقيقي وصادق، تُطرح فيه كلّ الآراء والهواجس. ففي العادة، الإتصال بين «التيارين» محصور بين الحريري وعون أو باسيل، ومنذ التفاهم الرئاسي في 2016 إلى الآن لم يحصل أيُّ لقاء جدي وعميق بين قيادات التيارين، حتى على صعيد الصف الأول، ولم يكن هناك سعي من قيادة أيٍّ من التيارين إلى تعميق العلاقة أبعد ممّا هي عليه.