مشروع بري وعون يتقدم على ما عداه
«المستقبل» وقانون الانتخاب: تجرّع السّم أم «الستين»؟
لأن القرار متخذ بتسهيل مهمة الرئيس سعد الحريري، فإن العقبات بوجه حكومته الثانية، تنحصر في سعي كل طرف إلى تثبيت موقعه في العهد الجديد. حتى من يُصوَّر أنه صاحب العقدة الأكبر، أي سمير جعجع، لا ينفك يؤكد، بالتوازي مع سعيه إلى الحصول على حقيبة سيادية ولاحقاً أساسية، أنه لن يكون حجر عثرة أمام تشكيل الحكومة الجديدة.
ولذلك، ما إن يقتنع مختلف الأفرقاء أنهم حققوا أقسى المستطاع، سرعان ما سيُشاهَد الحريري في بعبدا معلناً تشكيلته المنتظرة قبل نهاية الأسبوع الحالي على الأرجح.
مع حكومة الحريري الثانية، يبدو أن البيان الوزاري لم يعد عقدة. سبق أن قال الرئيس المكلف إنه أنجز مسودته، وسبق وقيل إنه يتماهى مع خطاب القسم إلى حد كبير ومع خطاب رئيس «المستقبل» الذي تبنى فيه ترشيح عون من «بيت الوسط». هذا يعني أن «الفقرة الأخطر»، أي تلك المتعلقة بالمقاومة، صارت منتهية، مع تسليم الحريري أن الفقرة التي قاربت المقاومة في بيان حكومة تمام سلام ستتكرر في البيان الوزاري لحكومته.
إنجاز البيان ونيل الحكومة الثقة سيفتح أبواب بداية العهد على مصراعيها. أول المهمات وأهمها هي إقرار قانون انتخابي «يؤمن عدالة التمثيل»، ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
يعرف الرئيس ميشال عون أن أي تقصير في ذلك سيشكل ضربة كبيرة لـ «الرئيس القوي والميثاقي»، الذي ينادي بالمناصفة الفعلية. ولذلك، لا مفرّ من الخوض في قانون الانتخاب، الذي يؤكد معظم أهل السلطة في العلن، رغبتهم في إقراره وإجراء الانتخابات في موعدها.
الإشارة الوحيدة لاحتمال تأجيل الانتخابات تأتي في سياق «التأجيل التقني». فإذا لم تتمكن الحكومة، ثم مجلس النواب، من إقرار قانون جديد في فترة قريبة، وبما يراعي المهل المطلوبة لإجراء الانتخابات في موعدها، فإن التأجيل البسيط سيكون أمراً محتوماً.
يضع الجميع في الحسبان ثلاث طبقات لمسألة الانتخابات:
ـ إما التوافق على قانون انتخابي، سريعاً، وبالتالي إجراء الانتخابات في موعدها.
ـ أو التأخر في إقرار قانون جديد، وبالتالي إيجاد صعوبة في إجراء الانتخابات في موعدها، ما يحتم تأجيلها تقنياً.
ـ أو إجراء الانتخابات في موعدها وفق القانون الحالي، مع احتمال إدخال بعض التعديلات عليه.
صحيح أن النقاش لم يدخل جدياً في مسألة قانون الانتخاب، بانتظار تشكيل الحكومة، إلا أن القانون المختلط (إن كان ذلك المقترح من الرئيس نبيه بري، أي 64 أكثري و64 نسبي، أو المتفق عليه بين «القوات» و «المستقبل» و «الاشتراكي»، أي 68 أكثري و60 نسبي) كان، حتى ما قبل التوافقات التي أوصلت إلى انتخاب الرئيس، لا يزال الأكثر تأييداً بين الكتل النيابية.
لكن بعد خلط أوراق التحالفات، يتوقع أن يتم تكريس الاتفاق الذي حصل بين بري والعونيين، قبيل الانتخابات الرئاسية، على مشروع انتخابي مشترك (التأهيل في الدورة الأولى على أساس الأكثري و «الأرثوذكسي» وضمن القضاء، ثم تجري الانتخابات في الدورة الثانية على أساس وطني وتكون المحافظة هي الدائرة المعتمدة لكن وفق النظام النسبي، مع أرجحية اعتماد المحافظات الخمس).
إذا كان الحوار الانتخابي بين «القوات» و «التيار» قد توقف قبيل انتخاب الرئيس، إلا أن الطرفين يجزمان أن الخطوط العريضة التي تفاهما عليها، قادرة على التأسيس لاتفاق، علماً أنه صار محسوماً أنه مهما كان القانون فإنهما سيشاركان في الانتخابات متحالفين.
يحقق التأهيل الطائفي مطلب القوى المسيحية، كونه يعطيها القدرة على وضع لائحة مختصرة للمرشحين في كل قضاء، بحيث يكون الاختيار الوطني في الدورة الثانية محصوراً بها. وهو الأمر الذي يشمل الطوائف الباقية أيضاً. وإذ يتوقع معنيون بالشأن الانتخابي أن لا يعارض النائب وليد جنبلاط هذا المشروع، كونه يسمح له بالإتيان بالمرشحين الذين يريدهم. لكن المشكلة الفعلية تبقى لدى «المستقبل»، الذي لن يكون بمقدوره إيصال مرشحين من خارج الطائفة السنية بالشكل الذي كان يحصل سابقاً.
لكن مشكلة «المستقبل» هذه ليست محصورة بقانون الدورتين. فهو يعرف أن أي قانون يتم التوافق عليه بين كل المكونات سيقضم حكماً من حصته الحالية. وبالتالي، فإن البحث عن قانون انتخاب يكون توافقياً ويُحافظ له على كتلته في الوقت نفسه سيكون صعباً، فهل يسعى إلى الإبقاء على قانون الستين أم يتجرع السم ويرضخ للأمر الواقع، فيحصل على كتلة تناسب حجمه الانتخابي؟