IMLebanon

حوار “المستقبل” – “حزب الله”: فعل خارق للسائد والمألوف بكل المعايير

أيام معدودات ويجلس المعاون السياسي للامين العام لـ”حزب الله” حسين الخليل قبالة مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، والى جانبهما ممثل راعي الحوار وعرابه الرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل، لتنطلق مع هذا الثلاثي اعمال الجلسة الاولى في حوار بين التنظيمين الابرزين، أي “حزب الله” و”تيار المستقبل” اللذين شغل صراعهما المديد البلاد والعباد مدى اعوام، وهو حوار يتوقع المراقبون ان يكون طويلا وبلا نتائج مضمونة مئة في المئة.

الحوار المرتقب تجاوز اكثر من عقبة واكثر من امتحان واختبار الى ان بلغ مرحلة الحصول المؤكد، وتجلى أبرزها في الايام القليلة الماضية إذ ان عراب الحوار الرئيس بري ابلغ المعنيين في الطرفين أنه يوشك ان يكون في حِلّ من المهمة التي تصدى لها بقوة ما لم يبادر الى ابلاغه بموعد ساعة الافتتاح لهذا الحوار وبالصيغة الاخيرة لجدول اعماله.

رئيس المجلس كان بذا يفصح عن استيائه من تأخر طرفي الحوار في تحديد موعد الخطوات العملية للشروع في هذا الحوار، خصوصا انه وجد نفسه محرجا بعدما اكثر في الآونة الاخيرة من الكلام عن قرب هذا اللقاء واهميته وحجم ما ينطوي عليه من انعكاسات وتأثيرات ايجابية على الوضع العام في البلاد، ولا سيما على الملفات الخلافية المتراكمة.

بري اراد ان يحذر الطرفين من مخاطر التلكؤ ببدء الحوار ادراكا منه، بحسب بعض المحيطين منه، ان “تيار المستقبل” يأخذ وقته في الحسم والتحديد من جهة، ويسعى، من جهة اخرى، الى التبخيس سلفا من جدوى الحوار المرتقب ونتائجه العملية وحصر الامر كله في مجرد التقاط الصورة التذكارية، ويحاول، من جهة ثالثة، الايحاء بأنه يتأخر في الحسم لانه يريد ان يحيط الحوار قبيل بدئه بسلة شروط ابرزها ان يكون الحوار باباً للولوج الى انهاء عهد الشغور الرئاسي انطلاقا من أن “حزب الله” وباقي مكونات محوره السياسي الممتد من بيروت الى الرابية وصولا الى طهران، هو الحجاب الحاجز امام دخول خليفة الرئيس ميشال سليمان الى قصر بعبدا.

ولا شك في ان بري ومعه الحزب اعطيا الأمر فرصته انطلاقا من يقين لديهما بأن اتمام الحدث يستاهل الانتظار وفضيلة الصبر من جهة، وبأن ثمة تباينات بين الصف القيادي في التيار الازرق حيال الحوار مبتدأ وخبراً وذلك بين فريق متحمس للذهاب الى عين التينة لملاقاة ممثلي صاحب الراية الصفراء وآخر متحفظ الى أقصى الحدود.

وفي خاتمة المطاف صار الحوار المرتقب في حكم المعقود وسط معلومات تشير الى انجاز جدول اعماله المؤلف من 5 بنود خطوطها العريضة على النحو الآتي:

– السعي الجاد الى خفض منسوب التوتر المذهبي عبر العمل لمعالجة مسبباته، وفي مقدمها وقف الحرب الاعلامية المتبادلة بين الطرفين منذ زمن

– التفاهم على خريطة طريق للوقوف في وجه حرب الارهاب المتصاعدة على لبنان، سواء عبر الحدود أو من خلال محاولات التسلل والتمركز في بيئات وشرائح اجتماعية بعينها.

– الخوض في غمار البحث في ملف الانتخابات الرئاسية على ان يكون ذلك محصورا بالعناوين العريضة من دون الدخول في الاسماء.

– تفعيل مسيرة العمل الحكومي.

– بعث الروح في مسيرة العمل التشريعي في مجلس النواب للتوصل خصوصا الى قانون انتخاب عصري يلبي مطالب كل الاطراف كونه من المهمات الاساسية لاستقامة دورة الحياة السياسية في البلاد والتأسيس لمرحلة أكثر استقرارا.

واللافت انه كلما اقترب موعد بدء مسيرة الحوار بادر طرفاه الى اعطائه أبعاداً ومدلولات تتخطى التقاط الصورة التذكارية. فعشية انعقاد الجلسة الاولى كان لافتا مشهد مغادرة معظم قيادات الصف الاول لـ”تيار المستقبل” الى الرياض في طائرة واحدة للاجتماع بالرئيس سعد الحريري.

قد يقال انه ليس بالضرورة ان يكون الغرض من هذه الرحلة الجماعية البحث في الحوار وتفاصيله ومندرجاته، ولكن ثمة معلومات لدى الطرف الآخر تشي بان الجزء الأساسي من هذا اللقاء عائد الى هذا الحوار المرتقب، وتحديداً لجهة طي صفحة التناقض بين رؤى هذه القيادات حيال الحوار وحيال مسألة تضخيم الرهانات على نتائجه.

الى ذلك، ثمة من يرى ان في زيارة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الى السعودية ما له علاقة بتبديد مخاوفه من هذا الحوار الذي استحوذ على اهتمام اعلامي – سياسي كبير منذ بدء الحديث عنه.

وفي المقابل، كان لافتاً أيضاً حرص “حزب الله” على دحض توقعات سادت اخيرا وفحواها ان الحوار الموعود هو شكل بلا مضمون، وانه لن يتعدى اطار الصورة اذ يقول على لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم: “ان الحوار مطلوب شكلاً ومضموناً، وعندما ينطلق بحده الادنى فانه يفتح الابواب للحلول”، مجدداً التذكير بأن الحوار هو “الطريق الوحيد المتاح لمعالجة أوضاعنا”.

إذاً ثمة تقاطع بين الطرفين على ان الحوار الذي سيجمعهما ولا ريب بين العيدين، بحسب معظم التقديرات، هو حوار الضرورة الوطنية الذي لا بد منه عاجلاً أم آجلاً.

ورغم فيض ما كتب مسبقا عن أبعاد اللقاء قبيل انطلاق قطاره، ورغم كل التكهنات عن مآله ونتائجه، فالثابت وفقاً لمراقبين ان الطرفين يشرعان من حيث يدريان او لايدريان في عملية تحد كبيرة لمحيطيهما ولمرجعيتيهما الاقليمية، فهما يجلسان الى طاولة واحدة في لحظة سياسية يرتفع فيها منسوب الاشتباك بين طهران والرياض الى ذروته ويمتد من باب المندب الى القلمون مروراً بساحتي العراق والبحرين. لذا فاللقاء هو بكل المعايير حدث بالغ الاهمية ينم عن فعل “ايمان” لديهما بالرغبة في مشهد يتحدى السائد ويخالف المألوف، أي في تحدي المناخات العامة السلبية في الاقليم برمته حيث الدماء سيّالة، وفي تحدي سطوة الاعلام الذي بات لفرط هشاشة الوضع السياسي في البلاد يتلاعب بقرار الاستقرار والاضطراب.

وبذا تكون صورة الحوار الموعود بالغة الأهمية في المكان والزمن. وربَّ سائل: هل من مجال لتوصل المتحاورين الى قواسم مشتركة تنهي عهد القطيعة بينهما في ظل هذا الاحتدام الاقليمي؟

السؤال ولاريب مبرر، ولكن الرد يأتي من “حزب الله” على الوجه الآتي: لنجلس وجهاً لوجه أولاً ثم يخلق الله ما لا تعلمون.