هل ما زال الحوار «نافعاً» في الحال اللبنانيّة الشبيهة بموتٍ سريريّ، وإلى أي مدى سيكون الحوار بين المستقبل وحزب الله مجدياً ـ هذا إن انعقد ـ وأيّ استفادة ستجنيها الملفّات اللبنانيّة العالقة من انفتاح أفق الحوار بين طرفيْ النزاع المرتبط بمحاور المنطقة وعواصفها، وهل يقود أي حوار مع حزب الله إلى نتيجة حقيقيّة لا إلى نتائج وهميّة ينقلب عليها الحزب سريعاً كعادته من ذاك الصيف الهادئ الموعود في تموز العام 2006، وهل فعلاً حزب الله يريد الحوار للحلّ، أم لمجرّد تقطيع وقت صعب يمرّ به الحزب على كافة المستويات، والسؤال الحقيقي هنا: على ماذا سيتحاور تيار المستقبل مع حزب الله؟!
في نظرة سريعة على كلّ الملفّات اللبنانيّة، لا يوجد سوى الفراغ الرئاسي فقط ليتحاور الأطراف حوله، فإنّ وضع المستقبل أفضل بكثير من حزب الله فمرشّح فريق 14 آذار أبدى أكثر من مرة استعداده لإفساح المجال أمام مرشّح توافقي، ولكن؛ هل «يمون» حزب الله على ميشال عون ليفسح المجال أمام مرشّح ثالث يحظى بتوافقيّة تُنهي مأساة الرئاسة الأولى التي تخضع منذ العام 1976 لابتزازِ النظام السوري، ومنذ العام 2007 اختطفت الرئاسة الأولى والثالثة رهينتيْن بيد المفاوض الإيراني، ولأننا لا نريد أن نضحك على القارئ، الرئاستان الأولى والثالثة هما معطلتان بقوّة السلاح، والرئاسة الثانية مفروضة وبقوة اختيار السلاح، فعلامَ سيتحاور المتحاورون، ما دام هذا الوضع سيبقى قائماً إلى ما لا نهاية، ما دام لبنان رهينة ملفّ التفاوض النووي الإيراني الذي يبدو أنه سيمتد مجدداً ليبقى الفراغ سيّد الموقف؟!!
والملفّ الرئاسي اللبناني الذي تمّ ربطه بصاعق معطّلٍ بسير المفاوضات النووية الإيرانية التي بدأت جولتها الأولى في شباط 2014، وبالأمس وبعد فشل جولتها العاشرة في التوصل إلى اتفاق، أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «أنّ التوصل إلى اتفاق نووي يحتاج إلى وقت أطول والأمر معقد جداً ولذلك قررنا تمديد المفاوضات 7 أشهر من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران»!!
وفي رأينا المتواضع، أن تمديد المفاوضات مع الجانب الإيراني مطلوب وبشدّة من فريق باراك أوباما الذي يسعى للوصول بهذا الملفّ إلى عام الجمود الأميركي، وهو العام الأخير من ولايته حيث يتفرّغ الأميركي لانتخابات الرئاسة، وهذا أقصى ما يريده أوباما إطالة عمر الأزمة بسبب عجزه عن اتخاذ قرارات حقيقيّة، وحتى الآن أثبت أوباما بما لا يقبل الشكّ، أنه رجل «اللاقرار» في السياسة الأميركيّة، ولهذا تمّ تمديد مفاوضات إيران مع مجموعة الـ 5+1، سبعة أشهر دفعة واحدة، أي إلى مطلع تموز العام 2015، وسيكون من السهل حينها التمديد مرة جديدة، أو التأجيل حتى نهاية الانتخابات الأميركية الرئاسيّة، وهذا تمديد ظاهره مكسب لإيران، لا أكثر ولا أقل.
أمّا الداخل اللبناني، فيعلم جميع الأفرقاء أنّ هذا الدّاخل لم يعد يحتمل سياسة الجذب والأخذ والردّ وتسجيل النقاط، ولم يعد يحتمل انفلات حملات الهجوم المتبادل، ولم يعد يحتمل أيضاً أن يمارس أطراف السياسة نفس «أنشودة الخداع» بادّعاء الحوار، لأن الجميع يعرف أنّ حزب الله ليس في وارد الحوار حول استراتيجية الدفاع وسلاحه، ولا عن انسحابه من سوريا، ولا عن تمكين الجيش اللبناني من ضبط الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، والسؤال الملحّ هنا: «ما الذي يريده حزب الله من الحوار»؟ وبقدر ما نحن مع الحوار لتبريد الساحة اللبنانيّة، فإننا ندرك أن التبريد لم يعد كافياً ما لم ينهِ الكثير من الملفّات العالقة، وإلا فإنّ كرة اللهب سترتد على كل الأطراف لتشعل الساحة اللبنانيّة وقد لا تجد من يطفئها في عالم مشغول ومشتت بالتساوي بين العداء لـ»داعش» و»إيبولا»!!