IMLebanon

«المستقبل» و«حزب الله»: لعبة المرايا

حسام عيتاني

«المستقبل» و«حزب الله»: لعبة المرايا

في البنى السياسية توجد دائماً لعبة مرايا من نوع ما. يصعب تصور معارضة مختلفة جذرياً عن السلطة الحاكمة بل غالباً ما تعكسان ثقافة وتقليداً عميقين هيمنا على المجتمع المعني ووسماه بميسمهما.

في الحالة اللبنانية، السمات الطائفية تطغى على البنى السياسية منذ أعوام ما قبل الاستقلال. ودفع الاجتماع اللبناني أثماناً باهظة من دون أن يفلح حتى اليوم في التخلص من هذه الآفة التي تتخذ في كل حقبة أشكالاً جديدة.

الحراك المدني الأخير يعكس الانقسامات القديمة الصريحة بين الطوائف والجماعات التي وقفت موقفاً حذراً من التحرك بل مناهضاً له وإن زعمت القبول بمطالبه الأساسية. ويعكس كذلك، انقسامات جديدة بين فئات عمرية واجتماعية تجد نفسها على طرف نقيض من الموقف من الدولة والقوى الحاكمة والفساد وكل منظومة العيش والموت في لبنان اليوم.

لعبة المرايا الكبرى التي نشهدها الآن يؤدي دور البطولة فيها تيار «المستقبل» و»حزب الله». فعلى رغم التناقض الظاهر بينهما والذي يشمل كل شيء ابتداء من الموقف من الثورة السورية وصولاً إلى تصور مستقبل البلاد والحلول لأزماتها المستعصية، كشف التحرك الشبابي الأخير عمق التشابه بينهما. العداء الصريح أو الأقل صراحة الذي تشاركت وسائل الإعلام التابعة للتيار والحزب في التعبير عنه للحراك، يشي أن الجانبين يقفان عملياً في جهة واحدة، ليس من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان فقط، بل حتى في رؤيتهما إلى «الدولة» كمؤسسة تعكس مصالح اللبنانيين عموماً.

من جهة «المستقبل» هناك لازمة يكررها منذ التسعينات عن فشل القطاع العام في أداء أي خدمة ناجحة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وأن الحل لهذا الفشل لا يكون بغير خصخصة كل الخدمات من نظافة (وصلنا إلى نهايتها الكارثية مع أزمة النفايات الحالية) إلى اتصالات وإعلام وكهرباء وماء وصولاً إلى الضمان الصحي. أما التقاسم بين قادة الطوائف وزبائنهم من أصحاب الأموال لعائدات الخدمات وحرمان الخزينة العامة من أبسط حقوقها، بما يضع هذه العملية خارج فكرة الخصخصة على طريقة رأسمالية القرن العشرين ويعيدها إلى منطق الاحتكار في القرن التاسع فعشر، فعارض جانبي علاجه ليس ذي أولوية، وفق التفكير المشار إليه.

يلاقي «حزب الله» التيار من جهة ثانية. فهو يشدد على أن فشل القطاع العام يصل إلى حدود حماية السيادة والاستقلال ودليله احتلال إسرائيل للجنوب قرابة عقدين ونيف من دون أن تنجح الدولة في تحرير أرضها. ما العلاج؟ خصخصة السيادة وإنشاء جهاز تابع للقطاع الخاص يتولى الدفاع عن الأرض ويسمى «المقاومة». دور الدولة منتهك في ألف مكان في الداخل، فما هي المشكلة الكبرى التي يشكلها استيلاء القطاع الخاص على دور المؤسسة العسكرية مثلاً، التي يعلن مسؤولو الحزب من دون توقف أنه أضعف من أن يحمي لبنان في حين أن القطاع الخاص («المقاومة») أثبت كفاءة عالية في ذلك؟

الدائرة المفرغة التي يسير فيها لبنان من مصادرة دور مؤسساته العامة في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسيادية سواء بسواء، تجعل مقاربة كل مشكلة من مشكلاته بمثابة تهديد هذا القصر المشاد من أوراق اللعب بالانهيار الكامل. أعطت الطوائف أمس الأول في تسليط بعض عناصرها على المعتصمين في وسط بيروت، لمحة بسيطة عما تستطيع فعله، في مناخ تتلاقى فيه النوازع الأهلية – العصبية الأكثر بدائية مع الرؤى النيوليبرالية الأكثر تعسفاً. وبين هذه الألغام يجب أن يسير شباب الحراك.