تحت أكثر من ذريعة، تمشي قناة المرّ في اتجاه دعم عون بلغتها وصياغتها، بعدما دعمه الحريري وقبله جعجع. لكن للعاملين في المحطة أهواؤهم وميولهم السياسية أيضاً. على «المستقبل»، الأمور أوضح قليلاً. «العدو» صار مرشح «المستقبل». لكن الموقع الرئاسي ليس مهماً في مقدمة النشرة المحلية للمحطة، بقدر أهمية «دور حزب الله» في المعادلة ورأيه
10 تشرين الأول (أكتوبر) 2016. كالعادة، «حزب الله» يعطّل. يخرّب. حسناً، للحزب خصوم. للحزب دور سياسي كبير. «أم تي في» لا تحبّ حزب الله. لا يمكنها أن «تهضم» الحزب أو من تحالف معه. لحظة، نعم، يمكن هضم ترشيح عون. يجب أن نعرف رأي النائب ميشال المر. والسيد سمير جعجع. سياسة المحطة سياستها، وأهواء أهلها أهواؤها. ديموقراطية داخل كوكب «أم تي في». أكثر من «نفس»، مع عون وضدّه.
لكن، في مقدمة النشرة المسائية، تطور لافت. محاولة لافتة. دعوة لفصل عون عن حزب الله. تحذير لعون. انتبه يا جنرال. الحزب لا يحبّك. نحن معك، لكننا لسنا مع الحزب. تقول «أم تي في» لجمهورها بلغتها، إنّها مع عون. مع المسيحيين. «مارونيين» وأورثوذكسيين، إلى أبد الآبدين. مع «الرئيس القوي». لكنها بلكنة مبالغ فيها تستعدي الحزب. عادي. ثم يظهر الخبر التالي: السفير السعودي. الرجل المحترم. المغرّد. تغريدة «غير شكل» تمدح الوزير جان عبيد. الحكيم جان عبيد. كم من حكيم في هذه البلاد. نعم، الخبر السعودي، على «أم تي في» أولوية. المحطة مع عون، وضدّ حزب الله. مع السفير السعودي، وضدّ جان عبيد. ما زلنا في فترة «ما قبل الإعلان الحريري». وبعد السفير السعودي الحكيم، الزميلة جويس عقيقي. تطارد «الحشد العوني». «الحشد الشعبي ـ العوني». تسأل المسؤول الإداري في التيار: هل سيصعد الجنرال؟ يجيب لا. تنقض عليه: لا يريد التصعيد لأنه يريد الوصول إلى بعبدا. يضحك، فتنتصر. جويس «فهمانة اللعبة». ثم تنقض مجدداً: يهمّكم الحشد. يلمس المشاهد حرصاً مهنياً عالياً من الزميلة عقيقي في محاصرة عون. مهنية عالية. يجب إحراج الضيف. ولكن هذا إحراج عكس «التيار». تيار «أم تي في» الذي ركب قطار عون في لغة المحطة وأدبياتها. جويس في مقصورة لوحدها، تدندن في ختام تقريرها: غادر القصر «نزولاً» بقرار دولي، ويتجه إليه «صعوداً» بقرار دولي أيضاً. من مقصورتها المستقلة في قطار «أم تي في» المتجه إلى بعبدا مع عون، تردد عقيقي: من أخرجه من القصر، سيعيده إليه.
في 18 الحالي، بدأت «أم تي في» بتغريدة وئام وهاب. عون أو لا أحد. شيء من هذا النوع. تقول المقدمة الإخبارية: تغريدة حقيقية، لكنها لا تعكس الواقع. بالعامية اللبنانية، «بدّي ياه وتفوه عليه». عون أصبح قريباً. لكن حسب «أم تي في»، لا «تعكس الواقع». الواقع. وتعريف الواقع في الإعلام العربي، يحتاج إلى معاجم. العوني الذي يتفرج على المقدمة، بعينين ذابلتين، يسأل «أم تي في»، «بتحبّني؟ ما بتحبّني». يا له من واقع صعب ومرير لـ«أم تي في» التي على عكس «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، يجب أن تدلي بدلوها دائماً. في اليوم التالي، اكتشفت محطة آل المر «صمت حزب الله المدّوي». كيف يكون الصمت مدوياً. بعد أيام، «بلفهم» أمين عام الحزب، وخرج عن صمته. لم يكن صمتاً إذاً، ولا مدوياً. في 19 تشرين الأول، يلمس المشاهد «عصبية» المحطة تجاه رئيس مجلس النواب، بسبب اعتراضه على عون، أو بسبب محاربته وصول «رئيس مسيحي»، كما تفهم «أم تي في» الحادثة. حسناً، «الشيعة»، حزب الله وحركة أمل، يتآمرون على عون. وحسب «أم تي في»، يتآمرون على المسيحيين. لا تنتبه المحطة إلى خطورة خطابها أو أنها تنتبه وبشدة. في 19 تشرين الأول، خرج الحريري عن صمته وأيّد عون بحزنٍ رهيب. وعلى «أم تي في»، أول المعلّقين كان معترضاً، ولم يكن مرحباً. النائب فريد مكاري، يقول: «لأول مرة تختلف قناعاتي عن قناعات الرئيس الحريري». اكتشفنا أن النائب مكاري صاحب «قناعات». ربما يكون لينينياً أيضاً، أو غرامشياً. لا نعلم. اختلف مع «قناعات» الرئيس الحريري.
بدأ العد العكسي. 26 تشرين الأول 2016. «أم تي في» تعلن: ميشال عون رفض طلب نصر الله بالتأجيل لأسباب تقنية. عون خائف. تكسرها من جهة وتجبرها من جهة أخرى. دنيز رحمة فخري تعد تقريراً مهنياً ممتازاً، خالياً من الآراء الشخصية والتحليلات، بعنوان «سيناريوهات إسقاط عون تتهاوى». يعرض التقرير بالأرقام والمعطيات احتمالات عدم سقوط عون، وفرص نجاحه، عرضاً مهنياً دقيقاً، على عكس مقدمة النشرة، التي تبدو دائماً، مع عون وضدّه. كأنها تسلّف الجنرال دعمها لمسيحيته، وتعاتبه عتاباً مبطناً على تحالفه مع الحزب.
جويس عقيقي تدندن: غادر القصر «نزولاً» بقرار دولي، ويتجه إليه «صعوداً» بقرار دولي أيضاً
والجميع يعرف أن الحزب أوصل عون إلى الرئاسة، ولم توصله أغنية «أوعا خيّك». لكن «أم تي في»، تفضّل «لحمة الطائفة»، بدلاً من لحمة «طائفيين» بين بعضهم البعض. ولكي تسوغ المحطة وصول عون، تدندن معزوفة استثنائية: «في النهاية، عون سيصل إلى بعبدا بغالبية أصوات 14 آذار، وحزب الله». لا بأس يا شعب «أم تي في». عون سيصل بأصوات «14 آذار». من «14 آذار»؟ وهنا السؤال الوجودي الكبير.
في الشهر الأخير، لا حضور قواتياً على شاشة «أم تي في». التركيز على وصول عون. وهذا مفهوم مهنياً. ولكن ماذا عن الزميلة نوال بري، وأهوائها السياسية.
نوال مع «كبير العائلة». وهي صرّحت عن خياراتها السياسية غير مرة. لا يجب أن نسأل إن كانت مع عون أم ضدّه. نعرف الإجابة. في 26 تشرين الأول، أعدت تقريراً عن احتمالات «عودة الخليجيين إلى لبنان» واستضافت فيه الصحافي، المتحدث باسم الخليج، راجح الخوري، كما بدا في التقرير. تعتقد نوال بري أن عودة الحريري إلى السلطة ستعيد الخليجيين إلى لبنان، لكن سرعان ما ينبهها الخوري، إلى أن الأنظمة الحاكمة في الخليج مبدئية واستراتيجية وأنّ لديها موقفاً من تدخل حزب الله في سوريا. وكثير من اللبنانيين للمناسبة مثل الخوري، يتخذون مواقفهم من الحزب استناداً إلى موقف الخليج منه.
تلفزيون «المستقبل» ليس لديه هذه المشكلة. الرواتب وصلت. لم تدفع بعد، لكن «يوجد تفاؤل». آخر الأسبوع. الأزمة في حلحلة. سعد راجع. وعون راجع. يبقى رأي الكوميديان الأسود نديم قطيش، الذي يضع وردة زهرية في جاكيته، و«يتصيّد» حلقات المحللين «الاستراتيجيين» التابعين لفريق «8 آذار». والتسمية الأخيرة لا تقل طرافة عن تسمية «14 آذار». في حلقة بعنوان «صنع في لبنان، صنع في سوريا»، يقوم بعمله على نحوٍ جيد، وينسى أن الرئيس الحريري رشّح الجنرال عون. فاتته هذه الملاحظة الصغيرة. في النشرة الإخبارية على «المستقبل»، إثر خطاب أمين عام حزب الله الأخير، نوع من كاريكاتورية لأسباب عدة، ليس أهمّها «خفة ظل» منير
الحافي.
نصر الله، يرفع يده، ويقول سننتخب عون علناً… «ويعترف بأزمة ثقة بحلفائه» وفق ما تقول مذيعة النشرة. حسب المقدمة، ثمة خلاف كبير بين عون ونصر الله، و«عند الانتخاب يصدق الامتحان أو يهان». يا له من سجع جميل. حسب «المستقبل»، عون لا يصدّق حزب الله. من يصدّق إذاً؟ سعد الحريري؟ «فوازير» على «الفيوتشر». بعد أيام من اكتشاف خلاف نصر الله ــ عون الذي لم يكتشفه أحد سوى «المستقبل»، الخبر الأول، قبل أيام من الجلسة: فرنجية يؤكد من بكركي استمراره في الترشح». يا للوفاء. كم منزلاً يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل. الحنين إلى الصديق الجديد، سليمان فرنجية، ما زال قائماً. طبعاً الخبر الثاني في «أخبار المستقبل»، لا يقل أهمية، وهو يرصد لقاء السيد أحمد الحريري بالرهبنة المارونية. وهناك تقرير «مهضوم» عن النفايات في هذا البلد. وما أكثرها أخيراً.
nbn… معارضة على استحياء
قبل إعلان النائب سعد الحريري تأييد ترشيحه للجنرال ميشال عون، لاح في الأفق توجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري للانضمام الى صفوف المعارضة. رافق هذا الخبر إنكار شديد، من قبل مناصريه والعديد من الأفرقاء الآخرين الذين لم يصدقوا الأمر، فـ «حركة أمل» لم يقترن اسمها طيلة تأسيسها إلا بالسلطة.
إعادة تمركز جديد للحركة، سرعان ما انسحب على قناة nbn. رغم هذا التموضع الجديد الحالي لبري، إلا أنّ القناة لم تشهر حرباً ولا خطاباً تعبوياً ضد عون والعهد الجديد بشكل مباشر. اكتفت باللعب على التناقضات لتظهر موقفها السياسي. طيلة الفترة المنصرمة، كان التركيز بشكل لافت على النائب سليمان فرنجية كونه المرشح المنافس لعون. نال فرنجية في قناة بري من إطراء ومديح، ما لم ينله ربما في الموقع الإلكتروني لـ «المردة». وصف الرجل بـ «الشجاع» و«الأصيل»، الذي بقي ثابتاً على «خطه السياسي والوطني العروبي»، وأيضاً بـ «المارد»، و«برجل كل المراحل». وحين تمنّى من داعميه الانتخاب بالورقة البيضاء، أضفت القناة بعداً آخر على هذا الموقف، إذ أدرجته ضمن «الثبات على الموقف السياسي»، وخارج «حسابات الربح والخسارة». طبعاً، كان مديحاً عالي السقف لمنافس عون، بهدف تمرير الموقف السياسي. كررت المحطة التساؤلات حول مرحلة ما بعد الاستحقاق الرئاسي، والملفات العسيرة التي تنتظر الرئيس من قانون الانتخاب (واللافت هنا طرح الموقع الإلكتروني للمحطة استفتاء حول تأييد قانون الستين)، إلى تشكيل الحكومة وباقي الملفات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة. مرحلة وملفات أطلق عليها بري منذ فترة تسمية «الجهاد الأكبر».