IMLebanon

المستقبل» بين «الرئيس العتيد» و«الحليف العتيق»

في ترشيح سعد الحريري لسليمان فرنجية عاملان «انقلابيان» من شأنهما أن يبدّلا القواعد التقليدية في الاستحقاق الرئاسي. الأول ذاتي يكمن في شخصية «البيك» وطباعه ومقارباته وجذوره ونفوذه، والثانية في التداعيات السياسية التي سيخلفها وصول الرجل الى كرسي الموارنة الأول.

في المسألتين صار لدفاتر الحسابات الموضوعة على طاولات القرار، التي راح أصحابها يحضّرون جداول ضربها، ربطاً بالخارطة السياسية التي سترتسم في حال صدقت تقديرات المتحمّسين لمعادلة الـ «سين ـ سين»، معادلات جديدة.

أن يصير «البيك» من أصحاب الفخامة ليس نسفاً فقط لقاعدة «المرشح الوسطي» الخارج من الاصطفافين واستطراداً لمنطق الغالب والمغلوب، حتى لو قدّم الرجل ما يكفي من ضمانات لوقوفه على الحياد الداخلي من طرفي النزاع، لأنّ نتائج ترئيسه أكبر من ذلك بكثير.. لا سيما في التداعيات المنتظرة على رقعة التحالفات الداخلية.

ومع مرور الساعات تزداد المؤشرات الداخلية والخارجية التي تؤكد بالصوت والصورة أنّ «تفاهم باريس» يملك ما يكفي من قوة دعم دولية لمساعدته على نزع فتيل الاعتراضات المنتظرة محلياً. وما اللقاء الذي سيجمع خلال ساعات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس سعد الحريري، الا حدفة اضافية على طاولة الشطرنج الرئاسية، التي ينتظر منها أن تتوّج «البيك» رئيساً، كما يقول المتحمسون لهذا المسار.

ولهذا مثلاً، لجأ سمير جعجع الى «خشبة» 14 آذار في تعليقه الأول والمبطّن على «اللقاء الباريسي»، اعتقاداً منه أنّها المنقذ الوحيد من «ورطة» سيقع فيها عاجلاً أم آجلاً بنتيجة المعادلة الانقلابية، ومحاولاً بلع «موسى» استبعاده من جانب حليف السراء والضراء سعد الحريري الذي طبخ طبخة سليمان فرنجية بعيداً عن أنوف شركائه.

وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على انخفاض منسوب الثقة بين الفريقين الى حدوده الدنيا، لا سيما بعد سلسلة المطبات التي وقعت فيها العلاقة الثنائية، ما يطرح علامة الاستفهام حول مصير قوى «14 آذار» كتحالف جامع بين «تيار المستقبل» و «القوات» و «الكتائب».

التواصل بين معراب والصيفي لم ينتظم يوماً، أقله منذ التقائهما تحت خيمة «14 آذار»، وتحكمه قاعدة «الشراكة المضاربة» التي تجعل من علاقتهما، تنافسية لا تكاملية. كما أنّ حجم التباينات بين معراب وبيت الوسط فاض عن المنسوب الممكن هضمُه وتطويقه، خصوصاً بعدما صار واضحاً أنّ «القوات» تبحث عن طوق نجاة يحرّرها من الصوت «الأزرق» الانتخابي ويرفدها بهامش أوسع من الحرية.

صحيح أنّ سمير جعجع لم يعلن بالصوت العالي رفضه لترشيح ابن زغرتا، لكنه بطبيعة الحال انضمّ سريعاً الى صفوف المتضررين، مع أنّه يحاذر رفع صوته الاعتراضي بشكل علني أو واضح، ويفضل التريث، كي لا يكون مُطلِق رصاصة الرحمة على تجمّع «14 آذار»، ويفضل أن يترك مهمة التصويب على ترشيح فرنجية، لغيره.

عملياً، لا يمكن لأركان هذه الجبهة إنكار حالة التشتت التي أصابتها، لا سيما بعد خروج طبخة فرنجية – الحريري الى الضوء والتأكد من جديتها، من دون أن يعني ذلك أنّ مكوّناتها مستعدّة للتضحية بتحالف السنوات العشر، مهما كانت نتائج «اللقاء الباريسي».

ولهذا بدا نهاد المشنوق مهتماً بتطويق التداعيات التي بدت على خطاب جعجع ولو لم يقلها أمام الرأي العام، وتقصد زيارته في معراب لفلش الأوراق بينهما. فأن يكون الرجل آخر مَنْ يعلم بما يحضّره شريكه الحريريّ، لا سيما في مسألة يُفترض أن يكون حلفاؤه الموارنة هم الأدرى بها، فتلك «خطيئة» ارتكبت بحقه وتحتاج الى توضيحات عميقة.

من هنا، اعتبر المشنوق بعد اللقاء أنّ «كل الأمور خاضعة للنقاش الإيجابي وليس للمواجهة والمشاكل أو القضاء على مسيرة 14 آذار»، لأنّ المطلوب هو البحث عن آلية تبقي الأوكسيجين في جسد هذا التحالف الذي سيواجه معمودية نار ملتهبة في حال سار ترشيح فرنجية على السكة الصحيحة.

ما يعني بالنتيجة، أنّ «تيار المستقبل» لا يريد التخلّي عن حليفه القواتي، وهو يعرف جيداً وقع الانقلاب الذي أحدثه ترشيح القطب الزغرتاوي، ولهذا لا بدّ من صيغة تفاهمية توائم بين تأييده لمعادلة الـ «سين ـ سين» وبين الإمساك بهيكل «14 آذار» بما تمثله «القوات» في السيبة الثلاثية.

ومع ذلك، فإنّ عودة عقارب الساعة إلى الوراء باتت مستحيلة، وتماسك قوى «14 آذار» كما كانت عليه في لحظات تأسيسها، صار صعباً جداً. بين «المردة» و «القوات» مساحة جغرافية مشتركة وتاريخ صدامي وصراع نفوذ حادّ، وأن ينجح «المستقبل» في رسم الحدود بين «الرئيس العتيد» و «الحليف العتيق» مسألة دقيقة جداً وتحتاج إلى مهندس بارع.

قد يكون سعد الحريري «أخفق»، في الشكل، في حصر مشاوراته المكتومة الصوت مع سليمان فرنجية بحلقة ضيّقة من المقربين به، مستبعداً حلفاءه عن دائرة النقاش، الا أنّه لم «يخطئ» في المضمون، وفق عارفيه، بدليل تمسكه بالوقوف على رأي شركائه المسيحيين والأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي يسجلونها. وها هو بطرس حرب يقصد العاصمة الفرنسية ليكون من ضمن باقة الضيوف الذين يتمّ اطلاعهم على «الاتفاق المبدئي».. بانتظار أن تتبلور الصورة وتنضج معالمها أكثر.