من المفترض أن يستمر النقاش الذي بدأه الرئيس سعد الحريري في اجتماع «كتلة المستقبل النيابية» الأسبوع الفائت، حول رئاسة الجمهورية وترشيح كل من النائب العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، وذلك في الاجتماع الذي ستعقده الكتلة بعد ظهر اليوم في «بيت الوسط»، لكن هذه المرة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة وليس الحريري الذي قرر الابتعاد عن بيروت حتى أيلول المقبل.
وبحسب عدد من نواب «الكتلة الزرقاء» فإن هذا النقاش كان يجب أن يُفتح منذ أن أعلن الحريري مبادرته الرئاسية بترشيح فرنجية، لأن أكثرية النواب لم يسمعوا بهذا الترشيح إلا عبر وسائل الإعلام، أو من الحريري شخصيا عندما قام بعضهم بزيارته الخاطفة في السعودية (قبل عودته الأخيرة الى لبنان).
ولا يخفي كثير من هؤلاء أن هذا الترشيح تسبب بإحراج كبير لكل قيادات «تيار المستقبل» الذين وقعوا بين نار عدم القدرة على صرف هذا الترشيح سياسيا أو إقناع القواعد الشعبية به كونهم لا يملكون أية معطيات حول قرار الحريري، وبين نار عدم القدرة على الوقوف بوجه خيار الحريري لأن ذلك من شأنه أن يضعفه أمام باقي التيارات والقوى السياسية.
من الواضح أن الحريري أراد أن يقدم شرحا متكاملا لمبادرته الرئاسية التي قضت بترشيح فرنجية، فأكد في مداخلته أمام الكتلة أن الجمود الذي كان سائدا والمترافق مع البركان السوري وتنامي ظواهر الإرهاب، كان من شأنه أن يهدد وجود لبنان، لذلك فقد وجد أن من واجبه إطلاق مبادرة تنقذ البلد وتكسر حالة الجمود القائمة وتعيد الحيوية السياسية الى موضوع رئاسة الجمهورية، لافتا انتباه نوابه الى أنه دفع ثمن مبادرته غاليا بمفرده، فيما لم تسجل أية خسارة لقوى 8 و14 آذار بل على العكس فإن مبادرته ساهمت في تسريع المصالحة المسيحية التي أنتجت ترشيح «القوات اللبنانية» للنائب ميشال عون.
وأضاف الحريري بحسب المشاركين في الاجتماع: لم آبه لكل الخسائر التي لحقت بي، فنحن لطالما ضحينا وقدمنا في سبيل إنقاذ لبنان وهذا واجبنا، كاشفا أن أطرافا سياسية أبدت دعمها وتأييدها لهذه المبادرة، لكنها ما لبثت أن وقفت على الحياد بعد إعلانها، وهي ما تزال داعمة لها باطنيا، وتنتظر أن تسمح الظروف السياسية لإشهار موقفها.
كما عرض الحريري للمستجدات التي طرأت على ترشيح ميشال عون للرئاسة، طالبا من النواب تقديم مقترحاتهم وتصوراتهم حول موضوع الرئاسة عامة.
وتفيد المعلومات أن مداخلات النواب جاءت في ثلاثة اتجاهات:
أولا: مسارعة عدد من النواب الى رفض مبدأ ترشيح عون وفرنجية على حد سواء، معتبرين أنهما وجهان لعملة واحدة بالنسبة لولائهما لـ «حزب الله» والنظام السوري، وأن الموافقة على أحدهما تعني تسليم البلد بكامله الى المحور السوري ـ الايراني، لكن هؤلاء عادوا وأكدوا للحريري أنهم ملتزمون بقراره في ما خص ترشيح فرنجية انطلاقا من التزامهم بـ «تيار المستقبل» وحرصا منهم على عدم فتح أي مجال للخصوم للعب على أية تناقضات في هذا الموضوع، لكنهم لم يخفوا تمنياتهم في أن تطرأ ظروف سياسية أو إقليمية تؤدي الى انتهاء صلاحية مبادرة الحريري الرئاسية.
ثانيا: قيام نفر قليل من النواب بالدعوة الى مناقشة هادئة لإمكان ترشيح عون، والنظر الى بعض الإيجابيات التي يمكن أن تتحقق سواء في إنهاء حالة الفراغ الرئاسي، أو في إعادة خلط الأوراق السياسية التي قد تؤدي الى تقدم حظوظ مرشح جديد، مؤكدين أن «حزب الله» لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية وأن استمرار الفراغ يصب في مصلحته، ولو كنا رشحنا عون منذ البداية، لاختار الحزب ترشيح فرنجية، وبالتالي فإن الموافقة على تبني ترشيح عون من شأنها أن تكشف له زيف ادعاءات الحزب بدعم ترشيحه وتبنيه.
ثالثا: رفض أكثرية النواب لأي طرح يدعو الى تبني ترشيح عون، معتبرين أن تبني ترشيحه بعد ترشيح فرنجية يعني «بعد الموت عصّة القبر»، وهذا من شأنه أن يطلق رصاصة الرحمة على شعبية «تيار المستقبل» المتراجعة أصلا، ولفت هؤلاء الانتباه الى أن عون ملتزم كليا مع «حزب الله»، وأن انتخابه يقدم انتصارا مجانيا للحزب ولمن يقف وراءه، كما أن عون لا يمكن لأحد أن يضمنه، فضلا عن الاتهامات العديدة التي يطلقها هو ونوابه بحق السنّة والحريرية وموقفهم الملتبس من الطائف.
ويؤكد أحد نواب «المستقبل» لـ «السفير» أن الحريري يعلم تماما رأي الكتلة لجهة ترشيح عون، لكنه أراد أن يضع النواب في ظروف تبلور مبادرته الرئاسية بترشيح فرنجية، وأن يؤكد المؤكد في رفض ترشيح عون، لافتا الانتباه الى أن الرئيس فؤاد السنيورة يعتبر أن وصول عون الى الرئاسة كارثة وطنية.
ويشير الى أنه لم يحصل أي تصويت على ترشيح «الجنرال»، ولم يتخذ قرار بالرفض لأن اتخاذ قرار بهذه الطريقة يعتبر ضربا من ضروب الغباء، ففي السياسة لا يجوز إغلاق الأبواب إغلاقاً كاملا ومحكما، إنما كان هناك عرض للآراء، وأعتقد أن الرسالة وصلت الى رئيس «تيار المستقبل» الذي ما يزال حتى الآن متمسكا بترشيح فرنجية، مدعوما بموقف كتلته، وهو الأمر الذي عبّر عنه السنيورة أمس من مجلس النواب.
يذكر أن النائب محمد فتفت قال ردا على سؤال حول قبول «كتلة المستقبل» بالعماد عون: «لا أبدا، والعماد عون قال إنه ليس مرشحا لا توافقيا ولا توفيقيا فكيف تريدون من الكتلة أن تتبنى ترشيحه»؟