في معظم الأحيان تكتفي «كتلة المستقبل»، التي لا تتخلّف عن موعدها الأسبوعي، منذ ولادتها الأولى، ببيان كلاسيكي. أمس، كان المشهد استثنائياً، شكلاً ومضموناً. سعد الحريري يستضيف ويترأس الاجتماع في موعده الدوري ككل ثلاثاء لكن ظهرا لا عصرا!
جلس الجميع في مقاعدهم عند الواحدة والنصف، وبينهم رئيس «الكتلة» فؤاد السنيورة. ليس مهماً ما هو جدول الأعمال. العقدة هي في احتمال ترشيح ميشال عون. الحريريون ينقسمون إلى معسكرين حادين: مع «الجنرال» وضدّه.
ساد الاعتقاد أن «الشيخ سعد» سيدخل الاجتماع لكي يخوض جولة قاسية من النقاش. عليه التنقيب في كومة الأزمات التي تحاصره مالياً وسياسياً، عن إبرة المسببات التي تدفع به الى أحضان «الجنرال». فإما يقنع الحاضرين بأنّ خياره إنقاذي، وإما يقنعونه بأنه انتحاري سيقضي عليه وعليهم.
على عكس «اجتياح « التفاؤل الذي رافق عودة زعيم «المستقبل» الى بيروت، والذي انتُظر أن تكون أولى ترجماته في بيان «الكتلة الزرقاء» فينقلها من خيار فرنجية (وقد تبنته الأسبوع الماضي) الى الضفة المقابلة تماماً، فقد انتهى الاجتماع الاستثنائي كما بدأ: «دقّ ماي»!
«الموجة الوردية» التي سبقت الاجتماع دفعت بالمتحمسين لخيار «الجنرال» الى الظنّ بأنّ الكتلة ستنقلب على ذاتها، وتنزل قبعتها لرئيس «التيار الأزرق» العائد حديثاً، وتعبد الطريق أمام دخول ميشال عون الى القصر الجمهوري من خلال إعلان واضح بتبني ترشيحه. وإذ بالأمور تتسمّر في مكانها.
صحيح أنّ الحريري قرر كسر الجمود ولو «بخيار انتحاري»، لكنه يعرف أنّ دون هذا الأمر حواجز كثيرة. هكذا، اكتفى الرجل بعرض سلّة الخيارات المتاحة أمامه لإنقاذ ما تبقى من «ثروته السياسية». وشرح المسارات الممكن سلوكها بعد إكمال دورة المشاورات مع بقية القوى السياسيىة قبل أن يعود من جديد الى كتلته.
يقول أحد النواب إنّ الكتلة لم تبدّل موقفها من مبادرة فرنجية، لكن الحريري، من خلال سياسة الغموض البناء، يريد فتح باب واسع للمشاورات ليس ترويجاً لخيار «الجنرال»، بل تحريضاً للجميع على إيجاد حل وكسر المراوحة القائمة.
يؤكد نائب آخر أنّ الجلسة لم تشهد أي مفاضلة بين الترشيحات، وانما جرى تبادل للأفكار حول كيفية الخروج من دائرة الشغور المقفلة، ولكن بطبيعة الحال تركت الكتلة الحرية للحريري أن يجري مشاورات واسعة مع القوى السياسية، سعياً وراء تحريك ملف الرئاسة.
وبعد انتهاء الاجتماع، أشار المجتمعون في بيان تلاه النائب عمّار حوري، إلى أنّ «الحريري أبلغ الكتلة بأنه بدأ بمشاورات مع كل الأفرقاء السياسيين لتفعيل العمل بهدف تسريع انتخاب رئيس للجمهورية، مستعرضا التطورات المتعلقة بهذا الموضوع، وعارضا الجهود الحثيثة التي يقوم بها»، مؤكّدين أنّ «الكتلة ستتابع في اجتماعات مفتوحة قادمة هذه المستجدات مع الحريري».
وجدّدت «الكتلة» التأكيد أنّ «انتخاب رئيس الجمهورية ما زال هو المدخل الصحيح الواجب لحل معظم المشكلات»، معتبرةً أنّ «استمرار المقاطعة لجلسات انتخاب الرئيس من قبل حزب الله وحلفائه قد أضرّت بلبنان وبصورة مؤسساته وصدقية قياداته»، وآملةً أن «تعيد تلك القيادات النظر بهذه السياسات والمواقف السلبية والإقبال على انتخاب الرئيس».