رأى المستقبليون في مواقف ظريف اعتراضاً على الحراك العوني في وجه 14 آذار
ليس كل من تحدّث في «المستقبل» عن الاتفاق النووي الإيراني يمثّل رأي التيار الأزرق. فالاتفاق حديث الولادة، لم يرق بعد إلى مصافّ الاهتمامات اليومية في الزوايا الزرقاء. ثمّ إن في تيار المستقبل، من لا ينظر أبعد من بيروت أو الإقليم أو الشمال. مع ذلك، قبل أشهر فقط، كان يُبحّ صوت غالبية المستقبليين، إذا ما اشتموا رائحة مسؤول إيراني بأصغر رتبة سياسية وصل إلى مطار بيروت للقاء شخصيات من فريق الثامن من آذار، وتحديداً حزب الله.
وكالحلقة في آذان الجميع تُصبح حكاية «الإمبراطورية الفارسية التي لا تحترم هيبة الدولة اللبنانية» حديث الساعة عندهم. لكن مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تبدلّت الآية. فالرجل الذي عقد مع الغرب «أهم صفقة في القرن» بنظر مستقبليين مهتمين بمفاعيل الاتفاق يستأهل الترحيب ولو بصمت. حتى وصل الحد عند بعضهم إلى الاعتقاد بأن «صاحب الشخصية المثيرة للانقسام بين الإصلاحيين المعتدلين والمحافظين المتشدّدين»، يمثّل «فريق الرابع عشر من آذار داخل النظام الإيراني»!
قد يكون غياب التصاريح المستقبلية السلبية تعليقاً على زيارة ظريف الأخيرة للبنان علامة لتحوّل ما في موقف الحليف الأساسي للمملكة العربية السعودية. لكنّ أحداً داخل التيار لا يُحبّذ الإفصاح علناً عن هذا التحوّل، ركوناً إلى قناعته بأهمية مراعاة الموقف السعودي الرافض لهذا الاتفاق من جذوره. علماً بأنّ قلّة من المستقبليين الذين يقاربون مفاعيل الاتفاق يعلمون خير علم، أنه «سيرسم مشهديات جديدة سيكون لبنان أحد تفاصيلها»، ولكن «ليس بشكل مستفزّ كما كان يحصل قبل التوقيع». هذه القلّة تفصل زيارة ظريف للبنان عن زيارته لدمشق. ليس فقط من منطق زوال مقولة «وحدة المسار والمصير» التي عمل تيار المستقبل ومعه فريق الرابع عشر من آذار منذ عام 2005 على نسفها، بل من سير الزيارة وجدول مواعيدها ودلالاتها. فكثيرة هي المؤشرات التي بنى عليها «مستقبليون» موقفهم المرتاح من زيارة وزير الخارجية الإيراني بيروت، والتي قرأوا فيها «ليونة إيرانية»، أظهرها ظريف «بكلامه وأسلوبه» الذي بدا كأنه «يمثّل جناحاً محدّداً في إيران، بعيداً كل البعد عن الحرس الثوري وقائد فيلق القدس قاسم سليماني». ففي الشكل يُريح مظهر ظريف ووجهه البشوش نظر المستقبليين، أكثر من سليماني صاحب البصمة الإيرانية الواضحة في العراق وسوريا. وفي المضمون، «يتبجّح» هؤلاء بمجموعة خطوات قام بها الموفد الإيراني، وبدأوا بتسويقها على أنها تغيير في السياسة الإيرانية تجاه لبنان. أولاً: «دعم ظريف للحكومة ورئيسها تمّام سلام». هذا يعني أن «بلاده لا تؤّيد الحركة الاعتراضية التي يقوم بها رئيس تكتّل التغيير والإصلاح ميشال عون ضدها بدعم من حزب الله». ثانياً: «قول ظريف إن بلاده تريد التعاون مع لبنان، من دولة إلى دولة». ثالثاً: «لم يتحدّث ظريف عن المواضيع التي تثير حساسيات عند الفرقاء الخصوم لإيران في لبنان». رابعاً: «لم يأتِ على ذكر المعادلة الثلاثية، جيش وشعب ومقاومة». خامساً: «لم يزر أماكن تستفز الغرب»، في إشارة إلى تغيّبه عن ضريح الشهيد عماد مغنية.
لا تهجر علامات الرضى عن زيارة ظريف ملامح شخصيات في تيار المستقبل تابعت جولته بأدق تفاصيلها، فتنبهّت إلى «غياب اللافتات المرحبة به»! غياب فسّره المستقبليون على أنه «حذر الفريق المؤيد للولي الفقيه من المغالاة في التعبير عن ارتياحه في الوقت الذي فشل فيه الخيار المتشدد للقيادة الإيرانية لمصلحة الدبلوماسية التي يقودها ظريف». اليوم بعد أن أصبح الاتفاق النووي الإيراني أمراً واقعاً، وبعد أن تنبأ تيار المستقبل كثيراً في جلساته الداخلية باستحالة توقيعه، يستند المستقبليون إلى عاملي أهمية الاتفاق وتأثيره على الساحة العربية ومنها الساحة اللبنانية. والجديد أن هؤلاء يظهرون أكثر ارتياحاً في كلامهم عن المسؤولين الإيرانيين «في جناح ظريف»، وأقل إيحاءً بالعداء له.