لا يزال تيار المستقبل يشهد نقاشاً واسعاً حول اتفاق معراب ــــ الرابية وتسوية باريس. لكن بعد كلام حزب الله وجلسة 8 شباط، بات الكلام عن احتمالات المجيء بالعماد ميشال عون رئيساً قيد نقاش مفتوح على كل الاحتمالات
لم يعد من الضرورة الكلام عما أصاب قوى 14 آذار، عشية الاحتفال بذكرى 14 شباط، من تضعضع ومن إرباك يطاول مستوياتها كافة. فكل يوم يثبت بعض أركان وشخصيات هذه القوى أن ما يحصل من «مبادرات» وسجالات وتسويات وحوارات ثنائية وصفقات، تعبير واضح عن هدف بعض هذه الشخصيات في الحفاظ على السلطة بكل مفاتيحها، وليس الحفاظ على فكرة 14 آذار. ما يحصل أخيراً، بدءاً من لقاء باريس، وصولاً الى اقتراح الرئيس فؤاد السنيورة فرض ضريبة على سعر صفيحة البنزين، ورغم الفارق بين نوعَي الاقتراحين، يثبت أن العنوان واحد، وأن مسار تيار المستقبل تحديداً لم يخرج عن سياق سياسة اعتمدها فريق الرئيس رفيق الحريري ويستمر في اعتمادها فريق الرئيس سعد الحريري، في نوعية ممارسة السلطة وفرض إيقاع واحد عليها لا يتغير منذ ما قبل خروج الجيش السوري من لبنان.
من هنا، لم يكن مستغرباً لدى من يطّلعون على مسار المفاوضات السياسية الجارية منذ لقاء باريس، أن يعمد الحريري الى «ترشيح» رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ــــــ وليس دعم ترشيحه كما يردد بعض نواب المستقبل ـــــ، لأن الأخير لم يكن مرشحاً قبل لقاء باريس. كذلك ليس مستغرباً أن يعدل في خريطة طريقه هذه، إذا وصلت المفاوضات الجارية، سواء المباشرة أو بالواسطة، الى ما يرضيه. وفق ذلك، ثمة معلومات تتحدث عن تأكيدين:
أولاً: أن الدوائر السعودية التي كانت قد أوحت بدعم سعودي رسمي على مستوى رفيع لترشيح فرنجية، لم تعد متمسكة هي نفسها بهذا الترشيح. فهذا الملف الذي يتم التداول في شأن المسؤول عنه سعودياً، أقفل ولم يعد قيد البحث. والرياض، وإن لم تعلن دعمها لترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لرئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، إلا أنها لم تعد في موقف المعارض بالمطلق لهذا الترشيح، الى حد قول بعض المطلعين أنها رفعت الفيتو عنه، خلافاً لكل ما يتداوله فريق الحريري في بيروت بالإيحاء بأن موقع جعجع لم يعد سوياً في الرياض، وبأن السعودية لا يمكن أن تقبل بأي تسوية يطرحها جعجع للإتيان بعون رئيساً.
ثانياً: المفاوضات الجارية بهدوء، ولكن بثبات، بين الحريري والتحالف المسيحي تتحدث بوضوح عن الأثمان التي يتطلبها تبني الحريري دعم عون، في ظل لقاءات تعقد مباشرة بين قادة في المستقبل والرابية واتصالات بالواسطة. ورغم أن عدداً من شخصيات المستقبل وقادته لا يكنّون الودّ لعون، وكانوا ضد الحوار الذي أجراه الحريري معه قبل عام، إلا أن هؤلاء أنفسهم لم يقتنعوا على الإطلاق بترشيح الحريري لفرنجية. لكنهم اضطروا، تحت وطأة ضغط رئيس الحكومة السابق، الى عقد لقاءات وإطلاق تصريحات «تجميلية» لتبرير ترشيح فرنجية، وخصوصاً أن تسوية باريس لم تجد صداها على الإطلاق في الشارع السني الذي يدين بالولاء للمستقبل.
وبعيداً عن الحملات الإعلامية والضغط السياسي على معراب والرابية معاً، والتصويب في بيانات رسمية على عون، فإن هذه الشخصيات القيادية والأساسية باتت، بحسب المعلومات، أقرب الى الاقتناع بترشيح عون عند المفاضلة بينه وبين فرنجية، ولو عبر شروط لا تزال تحاول طرحها على المتحاورين. فالثابتة التي اقتنع بها هؤلاء، ولا سيما بعد كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أنه لا رئيس إلا من قوى 8 آذار. وهذا ينفي في الوقت الراهن، ولا سيما بعد دعم جعجع لعون، أي إمكان للتوصل الى رئيس توافقي وسطي، من خارج الاصطفاف الذي وصفه نصرالله. لذا يصبح خيار عون، بالنسبة الى فريق من المستقبل بدأ بتدوير الزوايا والبحث عن حلول ليست بعيدة المنال، خياراً غير مستحيل، وخصوصاً أن ما رافق جلسة 8 شباط من كلام للرئيس فؤاد السنيورة حول عدم نزول فرنجية الى ساحة النجمة التزاماً بعدم نزول حزب الله، والاعتراض المستقبلي على طريقة تعبير فرنجية بالإشادة بكلام نصرالله، أعادت الى معارضي تسوية باريس هواجسهم من هذه التسوية. كما أن هذه الجلسة أثبتت لهم أن حسابات الحقل والبوانتاج لم تعد ذات شأن، بعد تسوية معراب ــــ الرابية وكلام نصرالله، الأمر الذي أعاد ملف الرئاسة الى يد التحالف المسيحي وحزب الله، وهو ما أدركه بعض قادة المستقبل في بيروت من غير دوائر المستشارين العاملين على خط تسويات باريس وتوتير العلاقة مع معراب.
وإذا كانت الحوارات الداخلية الأخيرة تميل الى فكرة تبني عون، لا من باب تأييده بالمطلق ورغبتهم بالإتيان به أو بفريقه الى قصر بعبدا، وإنما من باب تخفيف الأضرار، ما دام الثمن يمكن أن يكون عودة الحريري الى السرايا الحكومية. وفي حين قد تتخذ هذه الحوارات وقتاً إضافياً لبلورة آفاق أي تسوية جديدة، يمكن القول إن هذه الأجواء التي تشهدها بعض دوائر المستقبل، ترغب في إقفال ملف لقاء باريس نهائياً، ولا سيما بعدما لمسوا جدياً توقف وسطاء أساسيين عن مساعيهم وعدم تسجيلهم أي نشاط يذكر على هذا الصعيد.
لكن الوقت يداهم الجميع، فإذا كانت القوى المعنية تحاول إمرار مناسبة 14 شباط بأقل الأضرار الممكنة، فإن ثمة استحقاقات إقليمية ودولية تفرض الإسراع في بت النقاشات الجدية وعدم تحولها مجدداً مضيعةً للوقت، قبل أن يحل مجدداً موعد جلسة الانتخاب المقبلة في 2 آذار المقبل، من دون رئيس جديد للجمهورية.