بات في حكم المؤكد أن الجلسة الأولى للحوار بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» ستعقد غداً الثلثاء أو الأربعاء حتماً، قبل حلول عيد الميلاد، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري على أن ينوب عنه في الجلسات اللاحقة معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل.
وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية مواكبة للتحضيرات الجارية لبدء الحوار المرتقب بين «المستقبل» و «حزب الله» بأن الجلسة الأولى ستكون تمهيدية بامتياز ويشارك فيها عن الأول وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ونائب طرابلس سمير الجسر ونادر الحريري مدير مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فيما يتمثل الثاني بالمعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» حسين خليل ووزير التنمية الإدارية محمد فنيش وربما وزير الصناعة حسين الحاج حسن.
ولفتت المصادر إلى أن حضور الطرفين في الحوار يعكس تمثيلاً مناطقياً، وقالت إن المشاركين في الجلسة التمهيدية يمكن أن يستمروا في الجلسات الحوارية اللاحقة أو أن يستبدل بهم آخرون وأن القرار في هذا الخصوص يعود في النهاية إلى الطرفين المتحاورين.
وأكدت أن الغرض الأول والأخير من الجلسة التمهيدية يكمن في كسر الجليد بين الطرفين لأن هناك ضرورة ملحة لذلك بعد طول انقطاع بينهما. وقالت إن الحوار سيتناول القضايا الخلافية التي ستتاح الفرصة لتبادل الآراء حولها وصولاً إلى تهيئة الأجواء لإدراج مسألة تنفيس الاحتقان السني – الشيعي كبند أول على جدول الأعمال، إضافة إلى بند آخر يتعلق بوفاقية رئاسة الجمهورية باعتبار أنه سيفرض نفسه على طاولة الحوار.
واعتبرت المصادر السياسية عينها أن الاختلاف بين الطرفين حول عدد من القضايا السياسية التي ما زالت عالقة، أكانت داخلية أم إقليمية، تتعلق بمشاركة الحزب في القتال في سورية ضد المعارضة فيها دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد وما يترتب عليها من ضرورة لضبط الحدود الدولية أو المفتوحة مع أنها غير شرعية بين البلدين، لن يقف سداً منيعاً في وجه البحث في إمكان توفير شبكة أمان سياسية وأمنية تتعلق بتفاصيل الحياة اليومية للبنانيين.
وسألت هذه المصادر كيف يمكن التوصل إلى قرار حول ضرورة تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي في لبنان، خصوصاً بين السنّة والشيعة، ما لم يكن مقروناً بتأمين الحد الأدنى من المقومات الضرورية لحماية السلم الأهلي ودعم القوى الأمنية، وعلى رأسها الجيش، في تصديها للمحاولات الرامية إلى الإخلال بالأمن؟
كما سألت كيف يمكن تنفيس هذا الاحتقان وما هي الخطوات الواجب اتباعها وبالتالي من أين الولوج إليها؟ وقالت إن النقاط الخلافية بين الطرفين لا تمنع وجوب التفاهم على مجموعة من الخطوات لدفع مشروع الدولة إلى الأمام بدءاً بإنهاء الجزر الأمنية ومروراً بمعالجة الخلل الناجم عن عدم التوازن في تطبيق الخطة الأمنية في طرابلس والبقاع الشمالي وانتهاء بإنهاء ما يسمى ظاهرة «سرايا المقاومة» المتنقلة ما بين بيروت ومناطق أخرى، وكان آخرها في حي الأربعين في صيدا عندما اعتدت على دورية تابعة لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي.
التوازن في الخطة الأمنية
ورأت أن هناك ضرورة لتطبيق مبدأ التوازن في الخطة الأمنية التي طبقت في طرابلس وأنهت ظاهرة المجموعات المسلحة والأحياء التي كانت مقفلة في وجه القوى الأمنية بتنفيذ الشق الآخر منها المتعلق بمنطقة البقاع الشمالي التي ما زالت تشهد من حين إلى آخر قيام مجموعات مسلحة بخطف لبنانيين أو سوريين في مقابل حصولها على فدية مالية لقاء الإفراخ عنهم.
وأكدت المصادر نفسها أن جميع الأطراف متفقون على ضرورة مواجهة الإرهاب والتصدي للمجموعات المتطرفة أكانت من «جبهة النصرة» أم «داعش»، لكن التصدي لها يستدعي أولاً إنهاء الفلتان الأمني في عدد من المناطق، وثانياً الوقوف خلف الدولة اللبنانية من خلال قواها الأمنية التي يفترض أن تتولى وحدها مثل هذه المهمة.
وفي هذا السياق سألت المصادر المواكبة كيف يمكن لجميع الأطراف بأن يساهموا في رفع مستوى الجاهزية للجيش والقوى الأمنية ليكون في وسعها التصدي لأي خرق يمكن أن تقوم به «النصرة» أو «داعش» لهذه المنطقة أو تلك في البقاع الشمالي ما لم تتخذ قرارها بعدم انهاك هذه القوى في الملف الأمني الداخلي وبالتالي استنزافها الذي يؤدي إلى تشتيت قواها بدلاً من أن تنصرف كلياً إلى الاستعداد لضرب أي خرق إرهابي، وهذا يستدعي رفع الغطاء السياسي عن المخلين بالأمن وإلغاء البؤر الأمنية التي يمكن أن تعيق الجهود المرجوة من الحوار لتنفيس الاحتقان الداخلي؟
وأوضحت أن الحوار لن يؤدي إلى التوافق حول سلاح «حزب الله» في الداخل أو في خصوص مشاركته في سورية لأن «المستقبل» ليس في وارد توفير «الغطاء الشرعي» لهاتين النقطتين اللتين هما أساس الاختلاف بينهما، لكن لا شيء يمنع، تحت سقف تنظيم الاختلاف، من التفاهم على تحصين الوضع الداخلي ليكون في وسع لبنان ومن خلال حكومة الرئيس تمام سلام تمرير مرحلة الانتظار بأقل قدر ممكن من الخسائر إنما على قاعدة توفير ما أمكن من الراحة لكل التفاصيل الخاصة بالحياة اليومية للبنانيين.
رئاسة الجمهورية
ولم تستبعد المصادر أيضاً أن يدرج ملف رئاسة الجمهورية كبند ثان على طاولة الحوار، إنما من زاوية ضرورة التفاهم على وفاقية الرئاسة، لأن العودة إلى المربع الأول في هذا الشأن، أي إلى حصر المعركة بين رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع يعني حكماً أن الاختلاف بينهما حاصل لا محالة… على رغم أن الالتفات إلى هذا الملف لا يعني أبداً الغوص في أسماء المرشحين، أو التداول بأي اسم يمكن أن يؤسس لمرحلة من التوافق.
وعزت السبب إلى أن البحث في الملف الرئاسي سيبقى في العموميات وتحت العنوان الوفاقي لأن لا علاقة للحوار بالتفاهم على صفقة ثنائية من دون الآخرين وأولهم الأطراف المسيحيون.
وأكدت هذه المصادر أن إشعار الآخرين بأن الحوار سيقود حتماً إلى صفقة سنية – شيعية حول رئاسة الجمهورية سيولد حتماً حالاً من الاحتقان لدى المسيحيين وبالتالي لن يقود إلى تنفيس الاحتقان بين الطرفين المتحاورين. وقالت إن لا مشاريع ثنائية سيتم إنتاجها بين «المستقبل» و «حزب الله» تتعلق بالملف الرئاسي تماماً كما أن ليس هناك من مشاريع خاصة لمكافحة الإرهاب من خارج مشروع الدولة الذي يفترض أن يشكل رأس حربة في التصدي للمجموعات المسلحة.
إلا أن هذه المصادر لا تسقط من حسابها ضرورة مواكبة الزيارة التي بدأها أمس رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني لبيروت لأنها يمكن أن تشكل اختباراً، ولو أولياً، للمعلومات التي تناقلها أخيراً عدد من الشخصيات اللبنانية عن رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية السفير جان فرنسوا جيرو خلال زيارته لبيروت وحصيلتها أن ليس لباريس مبادرة خاصة تتعلق بالانتخابات الرئاسية وأن زيارته لبنان جاءت بعد إلحاح إيراني بعدما أطلقت طهران إشارات إيجابية في اتجاه تأييدها للجهود الرامية للتفاهم على رئيس جمهورية جديد للبنان بالتوافق بين جميع الأطراف المعنية.
وعليه، اعتبرت أن المحادثات التي سيجريها لاريجاني في بيروت يمكن أن تسمح باستقراء الموقف الإيراني وما إذا كان «مزاج» طهران بدأ يتبدل لمصلحة الوصول إلى رئيس توافقي وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال طرح الملف الرئاسي في الحوار الثنائي. لذلك، فإن مجرد بدء هذا الحوار سيؤدي إلى طي الصفحة التي كان فتحها بعض الأطراف في داخل قوى 8 آذار الذين توزعوا الأدوار في تقديم خدمات صحافية تتعلق بوجود رأيين في داخل «المستقبل» حول الحوار الأول يدعمه الرئيس سعد الحريري ويدفع فيه إلى الأمام والثاني يتزعمه رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة ولا يبدي فيه حماسة للحوار مع «حزب الله».
وعلمت «الحياة» أن لقاء الرياض الذي عقد بين الحريري والسنيورة في حضور قيادات من «المستقبل» أدى إلى إسقاط هذه الذريعة التي حاول أن يستخدمها البعض في 8 آذار كمادة احتياط لتحميل السنيورة مسؤولية النتائج المتواضعة التي يمكن أن ينتهي إليها هذا الحوار.
وقالت مصادر في «المستقبل» إن التيار يشارك في الحوار في جبهة متراصة وإن لا مجال للانجرار إلى تصنيفات لا تمت بصلة إلى الإجماع على ضرورة حصوله خصوصاً أن الحريري كان أول من دعا إليه.
وإذ أجمعت هذه المصادر على أن الحوار سيبدأ من دون أن يقوم هذا الطرف أو ذاك بتحميله كمية من «الأحلام» الوردية التي هي أقرب إلى الأوهام منها إلى الحقيقة، أكدت في المقابل أن «المستقبل» جاد في حواره مع «حزب الله» وأن من سيمثله فيه سيلقى كل دعم من قيادته وبالتالي لا مجال للرهان على أنه سيفتح الباب أمام الوصول إلى «صفقة ثنائية» أو الدخول في مقايضة تسمح بالتفريط بدور السنيورة.
واعتبرت أن الرهان على وجود فريق في «المستقبل» يدعم الحوار وآخر يعارضه ليس في محله ولن يكون هناك بين صفوفه من يصوب «بندقيته» بالمعنى السياسي على الحوار لإجهاضه كما يحلو للبعض أن يراهن.