قالت مصادر سياسية مواكبة للتحضيرات الجارية لبدء الحوار بين «تيار المستقبل» و «حزب الله»، إنه لم يعد من عائق أمام بدء الجلسة الأولى التي ستكرس لكسر الجليد بين الطرفين قبل نهاية العام الحالي، وبرعاية مباشرة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري على أن ينوب عنه لاحقاً مستشاره السياسي وزير المال علي حسن خليل.
وأكدت المصادر أن اللقاء التحضيري الذي عقد ليل أول من أمس بين نادر الحريري مدير مكتب زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والوزير خليل، اتسم بالإيجابية، وقالت إنه تم الاتفاق على عدم المبالغة في رفع منسوب التفاؤل من خلال تضخيم النتائج التي ستترتب على الحوار، وإن هناك ضرورة للحديث عنها في مواقيتها.
ولفتت أيضاً الى أن الحريري تطرق في اجتماعه مع خليل الى التسريبات «المنظمة» التي يقف وراءها بعض الجهات التي أخذت تتحدث تارة عن وجود تباين بين الرئيس الحريري وبين رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، وأن الأخير لا يحبذ قيام حوار مع «حزب الله»، وتارة أخرى عن أن النائب جمال الجراح سيمثله في الحوار الى جانب نادر الحريري بالنيابة عن زعيم «المستقبل».
ونقلت المصادر عن الحريري قوله إن مثل هذه التسريبات مفتعلة وأن لا أساس لها من الصحة، وقالت إن «المستقبل» كان أول من دعا الى الحوار وبالتالي لن يقفل الباب في وجه أي شكل من أشكاله حتى لو كان الشريك الآخر في الحوار على اختلاف معه.
وأضافت أن الحريري استخف بمثل هذه التسريبات التي لا يراد منها سوى ذر الرماد في العيون، لأن «المستقبل» ككل قال كلمته في الحوار ولن يتراجع عنها، أما إذا كان هناك من يعتقد أن رأس الرئيس السنيورة – بالمعنى السياسي للكلمة – سيوضع على طاولة الحوار للتضحية به، فإن ظن هؤلاء سيخيب كما خاب ظن الذين تحدثوا في السابق عن وجود تباين داخل «المستقبل» حول بعض القضايا السياسية المطروحة والتي ما زالت عالقة.
وكشفت عن أن المشاورات التي جرت أمس بين الرئيسين الحريري والسنيورة في الرياض بحضور وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ونادر الحريري وآخرين من «المستقبل»،شكلت رداً قاطعاً على محاولات التشكيك التي يروّج لها البعض ممن راهن على أن «المستقبل» سيتراجع عن دعوته الى الحوار ولن يجلس الى طاولة واحدة مع «حزب الله».
واعتبرت المصادر أن لقاء الرياض لن يؤدي فقط الى تدعيم موقف من يمثل «المستقبل» في الحوار مع «حزب الله» فحسب، وإنما سيوجه رسالة للمشككين بأن لا جدوى من رهانهم وأن قيادة «المستقبل» ستقف وراء من ستنتدبه لتمثيلها في الحوار.
ورأت أن لا خلاف على جدول الأعمال الذي يجري الإعداد له، وقالت إن الأولوية ستكون لتنفيس الاحتقان السني- الشيعي، لكن هذا لن يمنع إدراج ملف رئاسة الجمهورية على طاولة الحوار لأنه سيفرض نفسه، لكنه لن يكون البند الأول.
وعزت السبب الى أن القفز فوق البند الأول المتعلق بتنفيس الاحتقان السني- الشيعي لمصلحة الملف الرئاسي، يمكن أن يؤدي الى إطاحة الحوار، لأن لا مجال للتوافق وبالتالي لا مصلحة لأحد بأن يقتصر الحوار على جلسة يتيمة.
وأوضحت المصادر أن هناك ضرورة لتنفيس الاحتقان كأساس لتدعيم التهدئة وحماية السلم الأهلي، لكن هذا لن يقطع الطريق على إصرار ممثل «المستقبل» على مطالبته بتحقيق التوازن في تطبيق الخطة الأمنية بين طرابلس التي استعادت استقرارها وبين البقاع الشمالي بعدما تبين أن الخطة المعدة له ما زالت متعثرة.
وأكدت أيضاً أن موضوع «سرايا المقاومة» سيطرح على طاولة الحوار لما بات يشكله من تهديد للاستقرار، لا سيما في صيدا، بعد محاولة عناصر تابعة لها الاعتداء على عسكريين من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وبالتالي لا بد من مبادرة «حزب الله» الى رفع الغطاء عنها لأن تمادي عناصرها في الإخلال بالأمن سيؤدي الى توتير الأجواء في عاصمة الجنوب التي يقيم فيها خليط من جميع الطوائف اللبنانية.
ولم تستبعد المصادر أن يطرح ممثل «المستقبل» قضية سلاح «حزب الله» في الداخل ومشاركته في القتال في سورية الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد مع أن النتائج المترتبة عليه باتت معروفة سلفاً، لكن إصراره على طرح هذه المسائل الخلافية يكمن في أنه لا يريد شرعنة السلاح أو التدخلِ في سورية.
وإذا كانت المصادر تعتقد أن طرح ملف الرئاسة سيدفع في اتجاه تكريس الخلاف بين الطرفين، لأن «حزب الله» يتمسك بترشيح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون في مقابل دعم «المستقبل» لترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فإن المتحاورَيْن ليسا في وارد أن ينوبا عن المسيحيين ودورهم في الاستحقاق الرئاسي.
وبكلام آخر، تعتبر المصادر أن تقديم الحوار وكأنه يهدف للوصول الى صفقة ثنائية بين السنة والشيعة ما هو إلا محاولة يائسة للتحريض على المتحاورين، خصوصاً أن «المستقبل» وبلسان الرئيس الحريري، كان أول من دعا المسيحيين الى الحوار، وصولاً الى التوافق على رئيس الجمهورية الجديد، معتبراً أن توافقهم سيلقى كل دعم منه، لا سيما أنه لا يضع «فيتو» على اسم أي مرشح.
لكن الأطراف المسيحيين -كما تقول المصادر عينها- تلكأوا عن الحوار في ما بينهم ولا يزالون، وبالتالي لا بد من أن يبدأ هذا الحوار في مكان آخر بعد أن لعب الرئيس الحريري دوراً في تحصين موقفه الذي لقي تفهماً من الفاتيكان والبطريرك الماروني بشارة الراعي.
وترى المصادر أن قوى «14 آذار» مجتمعة تتفهم الدوافع لبدء هذا الحوار، وأن قيادة «المستقبل» على تواصل معها، وأنه كان بنداً على جدول أعمال اللقاء الذي عقد في الرياض بين الحريري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع خلال زيارته المملكة العربية السعودية.
وتؤكد أن قيادة «المستقبل» تتواصل أيضاً مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وتقول إن الأخير التقى ليل الأحد الماضي السنيورة ونادر الحريري في حضور وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور. وتنقل عن جنبلاط ارتياحه الى الجهود الرامية لبدء هذا الحوار.
ومع أن المصادر تتوقع أن تتوج المشاورات التي يجريها الحريري مع قيادات «المستقبل» في الرياض بتسمية من يمثلها في الحوار، أي نادر الحريري، الى جانب قيادي آخر من «المستقبل»، فإنها ترى أن لبنان يمر في مرحلة صعبة ودقيقة وأن هناك حاجة ملحة لتمرير الوقت، شرط أن يكون مقروناً بخفض لائحة الأضرار التي يمكن أن تلحق بالبلد، وهذا يتطلب أولاً انتخاب رئيس جديد. لكن الى حين أن تصبح الظروف ناضجة لانتخابه لا بد من تحصين الاستقرار وخفض منسوب التوتر، لا سيما أن التوازن هش في البلد ولا تمكن إعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية وتفعيلها إلا بانتخابه.