IMLebanon

«المستقبل»: الحوار شيء.. و «المقاومة» شيء آخر

اختُصِر المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس رئيس حزب «القوات اللبنانية» بعد نحو ساعة من عملية المقاومة في شمال اسرائيل، بعبارة واحدة على شكل سؤال «ماذا تفعل يا سعد الحريري مع حزب الله؟».

ليس وحده «الحكيم» من سكنه هذا الهاجس. أهل الحوار أنفسهم كانوا في حالة صدمة، لكن تحت السيطرة. توقّعوا ردّا، قريبا او مؤجّلا، من «حزب الله» على عملية القنيطرة، لكنهم راهنوا على ان لا يأتي الردّ من لبنان. في نهاية المطاف ها هو «حزب الله» يؤكّد لهم يوما بعد آخر بأن جدول اعماله ليس على قياس الطاولة اللبنانية.

كما تحاشت الحكومة النقاش المعمّق في القضايا الاقليمية التي تستجلب رفعا للمتاريس داخل السرايا كعملية القنيطرة ومواقف السيد حسن نصرالله الاخيرة بشأن البحرين، لم يترك المتحاورون في عين التينة للملفات التي شطبوها اصلا عن لائحة التفاوض ان تدخل على خط تأجيج جلسات الحوار.

لكن «تيار المستقبل»، ان في مجلس الوزراء او على طاولة عين التينة، فهِم من ممثلي الحزب ان أي ردّ متوقع من جانب المقاومة سيتحلى بـ «الحكمة» التي ستبعد شبح الحرب الاسرائيلية. في قاموسهم كان ذلك يعني مباشرة ان لا توريط مباشرا للبنان عبر تنفيذه عملية إطلاق الصواريخ انطلاقا من أراضيه.

ثمّة اعتقاد اليوم سائد في صفوف «المستقبل» بأن لا إيران ولا النظام السوري ولا اسرائيل في صدد تبني خيار الحرب في المنطقة. لا احد يريدها، لكن «مغامرات» الحزب قد تقود الى انفلات قواعد اللعبة داخليا، ان في استجراره الارهابيين للداخل او بإشعال الجبهة الجنوبية الهادئة نسبيا.

طوال يوم أمس، طغت التحليلات بشأن ردّة الفعل من الجانب الاسرائيلي على أحاديث «التيار الازرق» أكثر منه رشق الضاحية بـ «صواريخ» الاتهام بجرّ لبنان الى ورطة كبيرة.

قرار الضربة، برأيهم، اتخذه الايرانيون، فيما تداول القلقون في مدى حجم الرد من جانب الاسرائيليين مراهنين على ان وقوعه في منطقة محتلة قد يخفّف من وطأته. الرئيس سعد الحريري غاب عن السمع تماما ولم يصدر اي موقف. تكفّل بالمهمة بيان «كتلة المستقبل».

بشيء من الاجماع، يرى «المستقبل» ان الضربة التي وجّهها الحزب من مزارع شبعا المحتلة ضد اسرائيل لن تؤثر على مجرى الحوار القائم مع الضاحية. فبند تخفيف التوتر والاحتقانات المذهبية بين الطرفين من الاولويات، وما يهدّد الحوار أكثر هو عدم الالتزام بتنفيذ ما اتفق وما سيتفق عليه في عين التينة.

وثمّة تسليم ايضا بان ما اقدم عليه الحزب يندرج في اطار ردّة الفعل وليس الفعل، وهذا ما يخفّف من وطأة «المضبطة الاتهامية» التي يسوقها خصومه ضده، لكن عملية المقاومة لا يمكن فصلها، برأي نائب في «تيار المستقبل»، عن أجندة خارجية قد تجرّ البلد برمته صوب المجهول. النائب نفسه يتمنّى «لو تولّى محور الممانعة في المنطقة الردّ على عملية القنيطرة كون الاعتداء حصل على الاراضي السورية وطال احد قياديي الحرس الثوري الايراني، كي لا يدفع اللبنانيون الثمن».

في البيان السابق لكتلة «المستقبل» النيابية كان الذاهبون الى حوار على مضض مع «حزب الله» يذكّرون الاخير بضرورة الالتزام «قولا وعملا بسياسة النأي بالنفس عن أي تورّط يحمل معه خطرا على لبنان». في البيان نفسه اكّد «المستقبليون» ان «حزب الله» يستمر في زيادة تورّطه في الحرب الدائرة في سوريا وبدوافع اقليمية لا تمتّ للمصلحة العربية أو الفلسطينية بصلة».

جاءت شحمة عملية شبعا على فطيرة الاتهامات الجاهزة سلفا. فرئيس لجنة الامن والسياسة الخارجية في البرلمان الايراني علاء الدين بروجردي كان بشّر، برأي «المستقبل»، بالعملية حين تحدّث عن «ردّ قاس» على اسرائيل سيقوم به «حزب الله».

الرافضون أصلا للحوار مع «حزب الله»، من باب استحالة التوصّل الى تفاهمات وطنية معه ما دامت اجندته اقليمية، يؤكّدون ان السيّد حسن نصرالله لن يتوانى عن إحراج من يجلس قبالته في عين التينة بذهابه بعيدا في خيارات، ان في سوريا او حيال اسرائيل، قد تجعل من بند تخفيف الاحتقانات حبة «أسبرين» سينتهي مفعولها سريعا. سيكون مشروعا لهؤلاء ان يسألوا محاورهم «ماذا ينفع سعيك لتحريك ملف انتخاب رئيس الجمهورية من خلال الحوار مع المستقبل، فيما الجمهورية برمّتها قد تطير بسبب التزاماتك الخارجية؟».

مع ذلك، بقيت كل ردّات الفعل لدى «المستقبل» تحت السقف. لا نية بالتصعيد في وجه الحزب، ولا نية إطلاقا بقطع الحوار او التخفيف من زخمه. ولا فوبيا من تكرار سيناريو حرب تموز، أقلّه في المدى المنظور. وفي الوقت الضائع ستستمر قيادات «التيار» في تقديم دروس يومية لـ «حزب الله» في منافع الحياد والتحييد والنأي بالنفس. كل ذلك والحوار «شغّال».. والمقاومة «شغّالة» ايضا.

هكذا جدّدت كتلة «المستقبل» أمس تأكيدها، في اجتماعها الاسبوعي برئاسة فؤاد السنيورة، ان «القرارات المصيرية والوطنية، بما فيها قضايا الحرب والسلم، هي من مسؤولية مجلس الوزراء، ولا يحق لاي طرف كان مصادرة ارادة اللبنانيين».

ورفضت، في البيان الذي بدا نسخة عن بياناتها السابقة المخفّفة اللهجة منذ بدء الحوار مع الحزب، «أي عمل يؤدي إلى دفع لبنان إلى التورط في ما ليس فيه مصلحة له وللبنانيين ولا هو موضع اجماع لديهم».

وطلبت من الحكومة «إجراء الاتصالات اللازمة من أجل الدعوة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لبحث الوضع المتفجر على الحدود اللبنانية الجنوبية».

وفيما غاب ذكر «حزب الله» بالاسم عن البيان في ما يخص الردّ على عملية القنيطرة، أشارت «الكتلة» الى الكلام الأخير لبعض قيادات الحزب ولبيان «كتلة الاصلاح والتغيير» اللذين «حاولا إحياء ثلاثية مضى عليها الزمن وانهاها البيان الوزاري للحكومة الحالية، وقبل ذلك وبعده فقدت إجماعا وطنيا»، معتبرة ان «مثل هذا الكلام لا يخدم الحوار القائم».

ولفتت الى ان «دعوة البعض للتنسيق مع جيش النظام السوري تخالف سياسة النأي بالنفس واعلان بعبدا، فضلا عن كونها تقحم لبنان في متاهة الانحياز للنظام ضد الشعب السوري الشقيق».