لن تكون معركة عرسال شأنها شأن المعارك التي حصلت وتحصل على الحدود اللبنانية ـــ السورّية. هي، بالنسبة إلى تيار المستقبل، طاولة تُخلط فوقها الأوراق الحكومية والشعبية وربما… الحوارية. علا صوت المستقبليين منذ إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله قرار تحرير أي أرض لبنانية يحتلّها إرهابيو «جبهة النصرة» و«داعش». يحاول النائب سعد الحريري ومعه تيّاره أن يُحيط المحتلّين بدشم سياسية تحميهم من أي دور ميداني للحزب، ولكن بحسابات مختلفة عن تلك الخاصّة بالجماعات الإرهابية، وإن تقاطعت في مكان ما حول هدف استنزاف الحزب من الداخل اللبناني.
آلف تيار المستقبل فكرة انغماس حزب الله في الميدان السوري، أو ربما سلّم بها. لم يعُد الهجوم الإعلامي على خلفية تدخّله هناك مقياساً يُمكن الركون إليه لتوقّع الخطوات التي يُمكن أن يلجأ إليها التيار. بات الهجوم المستقبلي المرتبط بالأحداث خلف الحدود أشبه بنشيد وطني ترداده واجب لامتصاص غضب الجمهور المحتقن. أما المعركة السياسية التي يخوضها التيار «دفاعاً» عن عرسال، فهي في الواقع آخر معركة له للإمساك بما بقي له في الشارع السنّي. فغض النظر عن اقتحام البلدة، من وجهة نظر المستقبل، «سيرمينا في دائرة نيران شعبية حاولنا ردمها قدر الإمكان، ومواجهة الجوّ الإسلامي الذي يؤجّجها استعداداً للانقضاض علينا والسيطرة على ما بقي لنا من حيثية».
مثّل كلام السيد نصرلله بالنسبة إلى الحريري «إشارة»، ردّ عليها رئيس تيّار المستقبل برسالة واضحة مفادها بأن «أحداً، أي أحد، ولا حتّى الدولة اللبنانية يُمكن أن تمون على حبّة تراب سنّية في لبنان إلا بغطاء منّي (أي الحريري) والمملكة العربية السعودية من خلفي». وهو، بكلامه عن محاولة حزب الله توريط المؤسسة العسكرية، إنما «يحذر القوى المشاركة في الحكومة من توفير غطاء للجيش اللبناني الذي لا يُمكنه خوض أي معركة في الداخل دون قرار سياسي موحّد»، كما أنه بموقفه المعترض، على ما يقول مستقبليون، قصد «إفهام قيادة الجيش بأن عليها الوقوف على الحياد في الخلاف بين المستقبل وحزب الله، وهذا يعني النأي بنفسها عن المعركة التي لوّح الحزب بفتحها قريباً إذا لم تتحمّل الدولة مسؤوليتها».
موقف الحريري
تهديد ضمني للجيش بوضعه في وجه أهالي عرسال
لن يرقّع المستقبل موقفه هذه المرّة، ولن يعتمد أسلوب المراوغة كما حصل في معركة عبرا، قبل أن يعود ويركب موجة دعم الجيش اللبناني حتى آخر نفس. في هذه الحرب، قطع المستقبل على الجيش اللبناني الطريق، ممسكاً إياه من اليد التي تؤلمه، إذ إن «اصرار الحريري على رفض دخول الجيش في معركة عرسال ولا حتى التلويح بالأمر، إنما هو نوع من التهديد الضمني بوضعه في وجه المدنيين العرساليين».
أما للحزب، الذي «سنستمر في محاورته حتى لو ذهب إلى الصين»، فعليه أن «يعرف أنه يضع نفسه في مواجهة عشرات الالاف من المدنيين العرساليين والمدنيين السوريين في المخيمات، ولا يُمكنه تحت أي حجة أو عنوان ضرب البلدة، لأن ذلك سيضيف خراباً فوق الخراب. عليه أن يدرس خياراته جيداً، وإلا فإنه سيقلب الطاولة على الجميع».
ولعلّ ردّ الفعل القوي الذي صدر عن تيار المستقبل، بحسب ما تقول المصادر، نابع من أن «المعركة لا تصب في مصلحة تيار الاعتدال، في هذا الوقت تحديداً، لأن أي مواجهة في عرسال وتحت أي عنوان أتت ستفقد المستقبل قدرته على قيادة شارعه، وسيعلو صوت محمد كبارة وخالد الضاهر ومعين المرعبي فوق أصوات سعد الحريري ونهاد المشنوق وكل جناحهما داخل التيار». فقد أثبتت التجربة أن «التطرف في الشارع السني شئنا أم أبينا أقوى من اعتدال المستقبل». واستناداً إلى ما سبق «يريد تيار المستقبل، بالدرجة الأولى، من الوقوف في وجه تمادي حزب الله ووصول عناصره إلى عرسال، الحفاظ على قواعد الاشتباك الحالية بوجهها السياسي. أعلى سقف فيها اعتراضات متبادلة وحملات اعلامية تسير عكس ما تشتهي سفن الحوار». أما اللعب بورقة عرسال الأمنية والعسكرية، أمام واقع البيئة الحاضنة للمسلحين، فيعني أنّ «على المستقبل السلام»
المقاومة على تخوم جرود عرسال
واصلت قوات حزب الله تقدمها مقتربةً من التلال المتاخمة لجرود عرسال. وسيطرت المقاومة على مرتفعات القبع والنقار شمال شرق جرود نحلة في السلسلة اللبنانية. وقال مصدر ميداني إن المقاومة دمّرت آليةً عسكرية لـ»تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة»، موقعةً خسائر بشرية في صفوفه بين قتيلٍ وجريح. أما على الجهة السورية، فلا تزال المجموعات المسلحة بقيادة «النصرة» تقاتل بشراسة في آخر معاقلها في جرد بلدة فليطة السورية، وتحديداً على تلة «الثلاجة».
وبحسب مصدرٍ ميداني، فإن اشتباكات عنيفة جداً وقعت الاثنين بين المقاومة والجيش السوري من جهة و»النصرة» وأخواتها من جهةٍ أخرى، أدت إلى استشهاد 7 مقاومين، أبرزهم القائد الميداني الشهيد غسان فقيه الملقّب بـ»ساجد الطيري». وبحسب المصدر، فإن المسلحين «يستميتون» في الدفاع عن هذه التلة، لما لها من أهمية استراتيجية تمكّن المقاومة من السيطرة النارية على معظم جرود عرسال. من جهتها، أعلنت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تابعة للمسلحين عن كمين نفذته في جرود فليطة، ناحية «قرنة الثلاجة»، ضد مجموعة تابعة للمقاومة، من دون أن يتبنّاها أيّ حساب رسمي.