يعترف أحد القياديين في «تيار المستقبل» في مجلس خاص بأن التيار يحتاج الى معجزة كبرى لانقاذ الفكرة التي سوّق لها طويلاً «العبور الى الدولة».
«لم نعد قادرين على إقناع جمهورنا بأي فكرة، ما يجعل التخبط سيد الموقف في كثير من القضايا، وكان آخرها بعض المواقف المتناقضة من الحراك المدني في ساحة الشهداء ومن أزمة النفايات»، يقول القيادي البارز في «المستقبل».
لا يأتي هذا الاعتراف من فراغ، بل إن ذاك القيادي كان منسجما مع نفسه الى أبعد الحدود، وأراد في تلك الجلسة التي ضمت قياديين آخرين، توصيف الواقع الذي يتخبط فيه «تيار المستقبل» بصدق وشفافية، لا سيما أن الهوة بدأت تتسع بينه وبين قاعدته الشعبية بسبب التناقضات السياسية الكثيرة التي طبعت مسيرته خلال الأعوام الماضية، وتحديدا منذ إتفاق «س ـ س»، وتخليه عن كثير من المبادئ والثوابت والمسلمات التي كان نادى بها، وقام بتوريط كثير من مناصريه في سبيل تحقيقها، قبل أن يتراجع عنها ويتخلى عنهم، وذلك تحت عنوان «الحفاظ على الاستقرار».
ثمة اعتراف مستقبلي ضمني بأن «التيار الأزرق» وصل الى حالة من الضعف لم يبلغها من قبل، لذلك فانه بات يفتش عن أي خشبة خلاص يمكن أن تنهض به من كبوته، خصوصا بعدما أغلقت كل الأبواب المحلية والاقليمية بوجهه، ولا سيما الباب السعودي المفتوح فقط على أزمة اليمن.
ويمكن القول إن هذا الضعف بدأ يبرز شيئا فشيئا في ملامح المنظومة المستقبلية التي بدأت تفقد تماسكها، لجهة خروج كثير من القيادات والوزراء والنواب عن الالتزام بتوجهات الرئيس سعد الحريري، أو بالمواقف الصادرة عن الكتلة النيابية، فضلا عن تنامي صراع النفوذ بين القيادات الزرقاء من صيدا مرورا الى بيروت وصولا الى طرابلس وعكار، وترجمته عبر خلافات وتجاذبات لم تعد خافية على أحد، إضافة إلى قيام كل منهم بالتغريد ضمن السرب الذي يناسبه، والتفتيش عن شعبوية تستطيع تحسين حضوره في المنطقة التي يمثلها.. ولو كان ذلك على حساب القرارات التي تتخذها قيادة «تيار المستقبل».
وقد بدأ التخبط يظهر بوضوح في كيفية التعاطي مع كثير من القضايا المطروحة على الساحة اللبنانية، وفي مقدمتها الحوار مع «حزب الله» وما يتعرض له من هجوم مبرمج من قبل بعض قيادات الصف الأول في التيار، ومحاولة هؤلاء الشغب على الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري بالرغم من إعلان الرئيس الحريري عن دعمه له.
أما بالنسبة إلى الحراك المدني فقد عارضه تيار «المستقبل» معتبراً أن أمله في الوصول الى التغيير هو «صفر»، قبل أن تبدل بعض القيادات من موقفها في محاولة منها لركوب الموجة الشعبية مجددا والتخفيف من الخسائر اللاحقة بالتيار ونفي تهمة الفساد عنه.
وكذلك بالنسبة لأزمة النفايات التي تدور حول موقف تيار «المستقبل» منها شبهات كثيرة وسلسلة من علامات الاستفهام لجهة التناقض أو تبادل الأدوار أو اللعب على الكلام، حيث أن كل ما تعلنه «كتلة المستقبل» بهذا الخصوص، لا سيما موافقتها الكاملة مؤخرا على خطة وزير الزراعة أكرم شهيب، يخالفه بعض النواب الزرق الذين يتقدمون الصفوف ويعترضون مع المعترضين في مناطقهم على نقل النفايات اليها.
يعتبر قيادي مستقبلي لـ «السفير» أن شعور بعض النواب بضعف تيار «المستقبل» جعلهم أسرى شعبوية بدأت تسيطر على مختلف تحركاتهم بهدف ايجاد أرضية لهم، بغض النظر عن إنتمائهم للتيار، «وهذا أمر يجب أن يوضع له حد بشكل سريع، لأن الالتزام بالقرارات التي تتخذها الكتلة النيابية من خلال التصويت هي ملزمة للجميع، لكن يبدو أن لكل من هؤلاء النواب مخاوفه من الأرض وحساباته الانتخابية التي تدفعه للخروج عن الاجماع».
ويرى القيادي المستقبلي أن تراجع وضعف تيار «المستقبل» مرده الى عدة أسباب أبرزها:
أولا، عدم اعتماد التيار للصيغة التي يعتمدها العماد ميشال عون في المطالبة بحقوق طائفته، وتعريض البلد لخطر الانقسام عند كل مناسبة، وتمسك التيار بفكرة «العبور من الطوائف الى الدولة ومؤسساتها الشرعية».
ثانيا، الأزمة المالية المستمرة والتي تضغط يوما بعد يوم على التيار، من دون أن يكون لها أي أفق قريب للحل، مع التذكير بأن «المال يخفي العيوب»، ويدفع الى الالتزام التام، وأن «الطفر يولد النقار» ويدفع البعض الى التفتيش عن مصالحهم.
ثالثا، عدم قدرة التيار على تحقيق أي انتصار في المعارك التي خاضها من أجل تثبيت طروحاته وأفكاره.
رابعا، دخول التيار في تناقضات سياسية بدءا من اتفاق «س ـ س» وصولا الى الحوار مع «حزب الله».
خامسا، الحراك المدني الذي أضعف المنظومة السياسية القائمة في لبنان، وجنوحه بالهجوم على قوى «14 آذار»، أكثر بكثير من الهجوم على قوى «8 آذار»، ربما «خوفا من السلاح الموجود مع هذه القوى».
ولا يخفي القيادي المستقبلي أن كثيرا من قيادات المستقبل بدأت تشعر بأنها مستفردة ولا يوجد من يسأل عنها، فالرئيس الحريري خارج لبنان، والصف الأول من بعده غارق في خلافاته، والمال غير متوفر الى أجل غير مسمى، والسعودية غارقة في «عاصفة الحزم»، في حين أن كل الامكانات متوفرة لدى خصومنا.. من المال الى السلاح الى الالتزام الشعبي.
وفي حال استمر وضع التيار على ما هو عليه يعتقد القيادي المستقبلي «أن تيار المستقبل سيجد نفسه مضطرا الى إعادة طرح نفسه وفقا للوقائع الجديدة المحيطة به»، لافتا الانتباه الى أن ما يدعو الى التفاؤل هو أنه «مع كل المعاناة التي يواجهها التيار ما يزال هناك التزام سياسي به من قبل أنصاره، ولم تسجل حالات تخل أو استقالات منه، ومن آثر الاعتكاف لم يذهب الى أي جهة سياسية أخرى».