قبل أن يبدأ وزير الداخلية نهاد المشنوق اجتماعه مع رؤساء بلديات وفاعليات عكار خلال زيارته الأخيرة التي كانت تهدف الى إقناعهم باستقبال نفايات بيروت في سهولهم وأراضيهم، استهل حديثه بالقول: «..وأنا في الطريق إليكم، اتصل بي الرئيس سعد الحريري وحمّلني سلامه وتحياته وحبه إليكم».
أوحى هذا الكلام بأن ثمة أزمة بين أبناء عكار وبين مختلف قيادات «تيار المستقبل»، الذين باتوا عند كل زيارة يستعينون بـ «سلامات وتحيات وحب» الرئيس الحريري كمدخل للوصول الى قلوب العكاريين حيث ما يزال هناك ود خاص لشخص الحريري من دون غيره، كونه إبن الشهيد رفيق الحريري، بغض النظر عن المآخذ الكثيرة والانتقادات المتنامية يوما بعد يوم على «التيار الأزرق» وتعاطيه السلبي مع عكار.
كما أوحت زيارة المشنوق الى عكار، بأن القيادة المركزية في «المستقبل» لم تعد تعوّل كثيرا على نوابها في قضايا أساسية وهامة، فاستعانت بوزير الداخلية الذي تربطه علاقات أكثر من جيدة بالنائبين معين المرعبي وهادي حبيش، وبما يمثل من موقع رسمي حيث تتبع البلديات لوزارته، لتنفيذ مهمة إيجاد حل يقضي بنقل النفايات المتراكمة في بيروت الى عكار.
ويوحي ذلك أيضا، أن تراجع حضور نواب عكار، بدأ يقلق الرئيس الحريري شخصيا، وهو عبر عن ذلك في أكثر من مجلس خاص، وترجمه بعدم دعوتهم الى السعودية خلال اللقاءات التي عقدها في رمضان الفائت.
ويظهر هذا التراجع جليا على المستوى السني، حيث يغيب النائب خالد زهرمان أكثر الأحيان عن السمع، بينما أصبح النائبان «الصديقان» معين المرعبي وخالد الضاهر على طرفيّ نقيض، بعدما خرج الأخير من «كتلة المستقبل» وبات يغرد خارج السرب الأزرق، الأمر الذي جعل «المستقبل» يفقد جزءا كبيرا من العصب الأساسي في عكار المتمثل بالسنة الذين كانوا يُعتبرون الخزان الشعبي له في مختلف الاستحقاقات.
وجاءت أزمة تصدير النفايات الى عكار، مع «الرشوة» الحكومية البالغة مئة مليون دولار أميركي، لتكون بمثابة «الشعرة التي قصمت ظهر البعير» والتي أخرجت من جعبة العكاريين جردة حساب تمتد على مدار عشر سنوات من الالتزام التام بنهج «المستقبل»، مقابل إطلاق وعود بقيت حبرا على ورق ولم تأخذ طريقها نحو التنفيذ.
كما أنعش ذلك ذاكرة العكاريين في ما قدموه هم لتيار «المستقبل»، بدءا من العام 2005 والبدء باستخدامهم لملء ساحات بيروت في 14 آذار وما تلاها من تحركات شعبية، قبل أن يلتزموا باللائحة الزرقاء «زي ما هيي» في الانتخابات التي أعقبت استشهاد الرئيس الحريري، وبعدها استخدام شباب عكار ضمن مجموعات «الأفواج» والتخلي عنهم خلال وبعد أحداث 7 أيار في بيروت، وما أدى ذلك من توترات ومواجهات دفع ثمنها العكاريون دماء وعداوات وانقسامات ما تزال ترخي بثقلها الى اليوم. وبالرغم من كل ذلك، جددت عكار عهدها بالوفاء لتيار «المستقبل» في العام 2009 وأعطت أصواتها للائحته التي ينشغل بعض نوابها اليوم بخلافاتهم وصراع النفوذ في ما بينهم، في وقت لم تكافئ حكومات «المستقبل» برئاسة فؤاد السنيورة وسعد الحريري عكار على وفائها لهذا الخط، فأمعنت في حرمانها وفي إنصاف محافظات ومناطق أخرى على حسابها، الأمر الذي دفع بالنائب معين المرعبي الى التمرد والتهديد بالاستقالة من كتلة «المستقبل» إذا لم يصر الى معاملتها أسوة بالمناطق المحظية.
وتركت أزمة النفايات سلسلة تساؤلات طرحت على العلن في أكثر من اعتصام ولقاء شعبي في مختلف المناطق العكارية، لجهة: لماذا اختاروا عكار لكي تتحمل نفايات بيروت؟ ولماذا لم يتذكر تيار «المستقبل» عكار إلا في موضوع النفايات؟ وهل هكذا يكافئ الرئيس سعد الحريري عكار على وقوفها الى جانبه ودعمه وتقديم الغالي والنفيس من أجل دعم مشروعه السياسي؟
ثم لماذا تم وضع جدول لصرف المئة مليون دولار يمتد لثلاث سنوات؟ وما هي الضمانة بأن يصرف هذا المبلغ لعكار؟ وأين سيصرف هذا المبلغ؟ ومن هي الجهة التي ستتولى صرفه؟ وكيف ستنعكس خلافات تيار «المستقبل» في عكار على هذا الأمر؟ ولماذا لم تعلن الحكومة قرارات تتعلق بتنفيذ مشاريع محددة لطالما طالب فيها العكاريون وفي مقدمتها تشغيل مطار القليعات ودعم القطاع الزراعي وإقامة مصانع لمنتوجاته؟ ومن هي الجهة التي ستختار المشاريع التي ستنفذ من هذا المبلغ؟ وما هي المبالغ التي ستصرف على الدراسات التي ستجرى على هذه المشاريع في حال وضعت؟.
يقول أحد الغاضبين بلهجته العكارية، في أحد الاعتصامات المتنقلة احتجاجا على نقل النفايات: «يروحوا يخيّطوا بغير هالمسلة.. جابولنا التوترات والتحريض الطائفي والمذهبي وقسمونا على بعض، وهلأ عم يجيبولنا الزبالة حتى يقتلونا فيها، وبكرا وقت الانتخابات بقولولنا قوموا الصبح غسلوا وجكم وفرشوا اسنانكم وانتخبوها زي ما هيي.. بس من اليوم ورايح يلي بدو يحكي مع أهالي عكار هو بدو يفرشي أسنانه».