مَن يراقب الوضع الحكومي يُدرك جيداً أن لا أمل بولادة قريبة للتشكيلة المنتظرة، خصوصاً أنّ العراقيل ما تزال على حالها، ولا شيءَ يلوح في الأفق.
عندما كان يقف قادة «14 آذار» على منبر ساحة الشهداء بعد عام 2005، كانت الأولويات مختلفة، كما أنّ الصراع السياسي في حينها كان من نوع آخر. أما اليوم فإنّ ظروف المعركة قد تغيّرت مع اتّساع دور «حزب الله» وقتاله في ساحات المنطقة، ووضع يده على القرار اللبناني بشكل كبير.
لا شكّ أنّ «14 آذار» بمفهومها القديم قد انتهت، وبات البحث اليوم، وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة، عن صِيَغ تؤمّن التوازن مع «حزب الله» وحلفائه، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية ليس وسطياً، والغالبية في المجلس النيابي هي لصالح الحزب والحلفاء، فيما «14 آذار» باتت أقلّية نيابية.
ويؤكّد المطلعون على الاتّصالات الجارية، أنّ إعادة إحياء «14 آذار» بمفهومها الشعبي والمؤسساتي غير واردة إطلاقاً، إنما البحث يدور حالياً حول صيغة لمواجهة تمدّد «حزب الله» في الدولة، وعدم وقوعها في قبضته.
وبالتالي، فإنّ الخطوة الأولى كانت بإحياء مثلث تيار «المستقبل»، وحزبي «القوات اللبنانية» و«التقدّمي الإشتراكي»، وهذا الأمر حصل بإرادة مشترَكة سرّعتها نتائج الإنتخابات النيابية التي سيطر فيها «حزب الله» وحلفاؤه على المجلس، بحيث إنّه بات هناك أمران أساسيان نتيجة تشكّل هذا الحلف.
الأمر الأول هو برلماني، أي إنّ نواب القوى الثلاثة بات عددهم 47 نائباً، (23 مستقبل، 15 قوات، 9 إشتراكي)، يضاف إليهم 3 نواب لحزب «الكتائب اللبنانية»، ليصبح الرقم 50 نائباً، فيما بقيت كتلة الرئيس نجيب ميقاتي التي تتألف من 4 نواب في موقع الوسط القريب من المحور الخليجي- العربي، وما انحازت الى صفوف حلفاء المحور السوري- الإيراني.
أما الأمر الثاني والأهم في تشكّل هذا الحلف، فهو سياسي بامتياز، فهذه الجبهة مغطّاة خارجياً من السعودية ودول الخليج، وقادرة على مواجهة حلفاء إيران والنظام السوري، لأنّ البلد يُحكم بتوازنات القوى وليس بالمؤسسات، فقوى «14 آذار» كانت تملك 72 نائباً نتيجة انتخابات 2005، و71 نائباً قبل إنفصال جنبلاط عنها في انتخابات 2009، ولم تستطع أن تحكم.
ويسعى تحالف «المستقبل»- «القوات»- «الإشتراكي» بكل قوته من أجل تأمين التوازن في الحكومة، فإذا قبل المحور الثاني بالشروط، ونال «المستقبل» الوزراء السنّة كلهم الذين يبلغ عددهم مع رئيس الحكومة 6 وزراء، إضافة الى 3 وزراء دروز لـ«الإشتراكي» و4 وزراء لـ«القوات»، فإنّ هذا المحور سيحصد 13 وزيراً، أي إنه حصل على الثلث المعطّل داخل الحكومة الجديدة، مع العلم أنّ وجود رئيس الحكومة يسمح بتطيير الحكومة من دون الحاجة الى الثلث المعطّل.
ومن جهة ثانية، يؤكّد نواب ومسؤولون في هذه القوى أنّ الاتّصالات متواصلة بينهم والتنسيق دائم خصوصاً في الأمور السياسية الكبرى، وأبرزها قضية النازحين السوريين حيث يقود الرئيس سعد الحريري المفاوضات في شأنها مع الطرف الروسي وعبر المؤسسات الرسمية، والأمم المتحدة.
ومن الأمور التي تستمرّ «القوات» و«الإشتراكي» و«المستقبل» برفضها، هي التطبيع مع النظام السوري واستعمال ملف النازحين كحصان طروادة من أجل وصل ما انقطع، لأنّ لبنان لا يمكنه أن يعطي صكَّ براءة للنظام، وإعادة عقارب الساعة الى الوراء.
ويشدّد قياديون في هذا التحالف، على أنّ العلاقات بينهم تؤسس لمرحلة سياسية جديدة لا يمكن تخطّيها، فالعلاقة بين «القوات» و«الإشتراكي» موجودة ولم تنقطع يوماً وقد ظهر ذلك من خلال التحالف الانتخابي في جبل لبنان الجنوبي، كما أنّ الوضع على الأرض في الجبل ممتاز، ومن جهة ثانية، فإنّ «المستقبل» لن يدخل الحكومة من دون «القوات» و«الإشتراكي» وهذه أمور كفيلة بإعادة الثقة بين هؤلاء الأطراف، ورسم خطوط المرحلة المقبلة، وتشكيل جبهة سياسية تتصدّى لكل محاولات المحور الآخر وضع يده على البلاد.