Site icon IMLebanon

المستقبل – حزب الله الثقة المصابة بالعقم!

الخلفية المتباعدة من التحرير والإعمار إلى الإستشهاد والمواجهة

المستقبل – حزب الله الثقة المصابة بالعقم!

من الخطأ الإعتقاد أن الثقة بين تيار المستقبل وحزب الله مصابة بأزمة، وحسب، أو بتوقف يختبر النيّات، إنها بالأساس أزمة ثقة، ليس من السهل تجاوزها، أو ليس من السهل، اعتبار التعايش بين الفريقين، أمراً عادياً..

ومن زاوية موضوعية، تاريخية، اعتبر التعايش بين مشروع التحرير، ومشروع الإعمار «تعايش الضرورة»، إذ لم يكن بالإمكان توقيف التحرير لإنجاز الإعمار، أو توقيف الإعمار لإنجاز التحرير..

قاد حزب الله، من داخل الطائفة الشيعية، وتحالفات نسجتها لعبة المصالح، على نطاق محدود داخل الطائفة السنّية، التي انخرطت في المقاومة، أيضاً، عبر فصائل متعددة في صيدا والبقاع الغربي، وعلى نطاق الأحزاب الصغيرة التي كانت تدور آنذاك في الفلك السوري، أو ضمن ما كان يُعرف بالمحور «الإيراني – السوري»..

وقاد الرئيس رفيق الحريري، وهو في الطريق إلى تأسيس تيار المستقبل، ضمن مجموعة واسعة من النُخب الآتية من تجمعات طائفية متعددة، مسيرة الإنماء والإعمار. كان المشهد بالغ الحراجة من ضمن سلسلة اعتداءات واجتياحات في الجو والبر والبحر، أبرزها عدوان 1993 و1996، مع مجزرة قانا الشهيرة، كان الركام الناجم عن الغارات والقصف، يهدّد عملية بناء الجسور ومحطات توليد الكهرباء والمياه والطرقات، وبلغت الوقاحة «بالعدو الاسرائيلي» مراراً وتكراراً بتهديد العاصمة بيروت ووسط العاصمة، بعد قصف ودمار طال مدن الجنوب حتى عاصمته، ومدن وبلدات البقاع من الغرب إلى الشمال. صمد الحريري، وتفهّم الجميع أن للتحرير ثمناً يُدفع من الشهداء إلى المال والخسائر والأضرار..

أتاح التفاهم السعودي – السوري المجال «للتعايش الجبري» بين التحرير والإعمار، لأن يصمد ويستمر، وكانت الوصاية تتكفل بمعالجة التباينات، فانكفأ الحزب إلى التحرير، وعدم إعطاء الثقة لحكومات الحريري المتعاقبة، التي كان البيان الوزاري يقوم فيها على ثابتة المقاومة والتحرير، ومضى الرئيس الشهيد (رفيق الحريري) يمارس عملية إعادة بناء الدولة، أو على الأقل ترميمها..

لا حاجة الآن للمضي في التباس العلاقة بين الحزب والتيار. حتى إذا كانت ظهيرة الاثنين في 14 شباط 2005 (الواحدة الا خمس دقائق تماماً)، سقط الحريري شهيداً، في أبشع عملية اغتيال، اتهم على الفور «النظام اللبناني – السوري» المشترك بارتكابها، وكان ما كان مما يذكره اللبنانيون جميعاً، حتى بزوغ فجر المحكمة الدولية، وولادة القرار الإتهامي، وانتقلت المواجهة إلى المحور الذي يقوده حزب الله على الرغم من انتقال الحزب، بعد الخروج السوري من معارضة الحكومات التي شكّلها الحريري إلى المشاركة بأول حكومة أنشئت بعد إجراء الانتخابات برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، من ضمن نصائح دولية بأن لا استقرار في لبنان ما لم يرض عن صيغة حزب الله، والفريق الداعم له إقليمياً..

بقيت أزمة الثقة تحوم في جنبات العلاقة المتوترة بين تيار المستقبل وحزب الله، على الرغم من الحوارات التي دارت سواء في مجلس النواب أو قصر بعبدا، أو تلك المشتركة وجهاً لوجه بين الرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله..

وغني عن البيان أن كلا الفريقين واجه الآخر بأسلحة متعددة، من الإتهام، إلى الدعاية، إلى الإعلام، إلى الحصار، وصولاً إلى السلاح.. حيث توقفت المواجهة عند أسوار السراي الكبير عندما انسحب الفريق الشيعي من الحكومة..

جرت رهانات خطيرة على أن تطور المواجهة الباردة والساخنة بين الفريقين من شأنها أن تعيد ترتيب الأوراق اللبنانية، لجهة إعادة النظر بتركيبة الطائف أو التحالفات والتوازنات التي أسفرت عنها..

على أن المفارقة الأهم في هذا الخضم المضطرب أن اندلاع حروب «الربيع العربي» وفّرت للإستقرار اللبناني فرصة إضافية، لعدم العبث به، وتجنّب الفتنة المذهبية، أو تحوّل الخلاف السنّي – الشيعي حول قضايا جوهرية في لبنان والمحيط العربي..

وتسابق الطرفان: التيار والحزب لنبذ الفتنة أو الداعين إليها، والبحث عن فرصة جدّية، للتعايش، أو تجاوز الخلافات، والإنتقال إلى ما يمكن وصفه بالمتفق عليه، من تسيير أمور الناس، وانتظام عمل الحكومة والمؤسسات، والبحث للنأي بالاستقرار الداخلي عن الاضطرابات العربية والاقليمية، والذهاب إلى المنطقة الوسطى من اللقاءات، والنقاط التي لا يُفترض أن تشكّل خلافاً..

شكّلت عمليتا التمديد للمجلس النيابي والمشاركة في حكومة الرئيس تمام سلام محطة للبحث عن صيغ التعاون بين المختلفين، من منطلق أن الطوائف في لبنان قادرة على التعايش، وتقاسم السلطة، وفقاً للمصطلح المعمول به، وهو مصطلح «العيش المشترك»..

على أن العودة إلى الطاولة، ولو من نافذة عين التينة، حيث ما يزال رئيس المجلس همزة وصل جدّية بين مكوّنات الشارع السياسي، والنقطة المحورية، حيث هناك، تجتمع جملة من الإرادات المحلية والعربية والإقليمية، أحدثت صدمة قوية في المزاج اللبناني، وفي الوقت عينه، شكّلت تنبيهاً رئيسياً إلى أن لا مناص من الجلوس إلى الطاولة، أو حول الطاولة، وبصرف النظر عمّا إذا كانت في شكل حرف U أو مستديرة أو مستطيلة..

لا عجب في الأمر، فالطرفان يتلاقيان في كل مكان، يوجد فيه سنّة وشيعة (وهل ثمّة مكان لا يوجد فيه سنّة وشيعة؟!)، وهما في النقابات والمدارس والجامعات والبنايات والطرقات، فضلاً عن المجلس النيابي والحكومة، إذاً لماذا لا ينتقل الطرفان إلى إجراء مقاربة للمواضيع، التي يمكن الاتفاق حولها..

ليس قراراً عادياً أن يذهب سعد الحريري إلى الحوار، في لحظة بدء المحاكمات أمام المحكمة الدولية، في قضية استشهاد والده، وليس قراراً عادياً، أن يوافق حزب الله على تطبيع الوضع، مع كل الأفرقاء، في لحظة يودّع فيها كل يوم شهيداً (أو ضحية) سقط (سقطت) في سوريا، أو في المواجهة الحاصلة مع فريق يتفق التيار والحزب، على خطورته، سواء أكان «إرهابياً» أو «تكفيرياً»..

تجاوز الحوار إمكان انعقاده أو وجوبه، أو الموانع المتصلة «بالأنا الأعلى» السياسي والأخلاقي.. ولكن..

1- ماذا عن احتمالات الاتفاق ليس حول هوية الرئيس، بل إسمه أيضاً؟

2- ماذا عن احتمالات الاتفاق حول مرحلة ما بعد التسوية في سوريا، في ظل بقاء الأسد أو ذهابه؟

3- ماذا عن نتائج المحاكمات الحاصلة في المحكمة الدولية، وما تردد عن أن أحد نواب كتلة الوفاء للمقاومة، استدعي للإدلاء بشهادته أو لاستجوابه في قضية الحريري؟

 لا حاجة لمزيد من الأسئلة، ولا حاجة لاجتراح مشاريع أجوبة، قريبة أو افتراضية.. المسألة، ببساطة قوية.. هل أدرك الطرفان أن بناء الثقة، هو من بناء الدولة؟ وهل اقتنع المستقبل وحزب الله، أن فرص البحث عن تعزيز الاستقرار ممكنة بصرف النظر عن الحِراك في الحرب السورية؟ خارج النيّات الصافية، أو «المتعوكرة».. الكلمة للوقائع.. فلننتظر الوقائع.. وأيدينا ليست على قلوبنا فقط؟!