يتردّد في الأروقة السياسية لـ «تيار المستقبل» صدى عبارة رئيسه سعد الحريري في الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وفيها: «الحوار مع «حزب الله» ليس ترفا سياسيا أو خطوة لتجاوز الخلافات، بل حاجة وطنيّة في هذه المرحلة».
يشكّل هذا الكلام قناعة لدى «التيار الأزرق»، وبالرّغم من ذلك فإنّ اطلاق النار على هذا الحوار موجود من قبل الصقور «المستقبليين» لأربعة أسباب تؤدي الى الإحتقان الشيعي – السني (من وجهة نظرهم) والتي لم يلمس «المستقبليون» بعد جهوزيّة «حزب الله» لإعطاء إجابات شافية لها، وهي: تغطية «حزب الله» للمتهمين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، المشاركة المستمرة في الحرب السورية وفتح جبهات مستحدثة من دون التشاور مع أي طرف لبناني، توزيع السلاح على شبّان في المناطق تحت مسمّى «سرايا المقاومة» وحصر الخطّة الأمنية في مناطق معيّنة.
وإذا كان رئيس المجلس النيابي نبيه برّي قد طلب تحييد موضوعي سوريا والمحكمة الدّولية من الحوار، فتبقى نقــطتان رئيسيتان: الخطّة الأمنية ومشكلة «سرايا المقاومة».
يدور الحديث في الأروقــة السياســية لقوى «14 آذار» بأنّ ما أنتجــه الحــوار الثنائي بين قطبها أي «تيار المســتقبل» وبين «حزب الله» في 6 جلسات لغاية اليوم أحدث خطوات إيجابــيّة لكــنّها ليست كافــية، بل إنّ هذا الحوار لا يــرقى الى مستوى الطموحات.
برأي «المستقبليين» أن وقف التراشق الإعلامي وحده ليس كافيا لتنفيس الاحتقان المذهبي كما يعتقد «حزب الله»، وليس ما أنتجه الحوار الثنائي كافيا أيضا سواء في نقل المساجين الإسلاميين الى جناح معزول في سجن رومية بلا وسائل الترفيه التي كانوا يتمتعون بها، أو لجهة إزالة الشعارات الحزبية أو الدينية أو لناحية الخطّة الأمنية وخصوصا في البقاع.
لكنّ بالرّغم من هذه الملاحظات الجوهرية، فإنّ «نسف الحوار» أمر غير جائز بالنسبة الى «قوى 14 آذار» عموما و «المستقبل» خصوصا، حتّى عمليّة القنيطرة في الجولان السوري المحتلّ ثمّ ردّ «حزب الله» في مزارع شبعا لم يؤديا الى زعزعة أسس الحوار. بالطبّع فإنّ ما يسمونه «تفرد حزب الله» بقرار الحرب والسّلم يسبّب انزعاجا عميقا في صفوف «التيار الأزرق» وهو غير مستعدّ البتّة لغضّ النظر عنه ولا الى تجميد النقد الموجّه الى «الخطوات الأحادية» التي أعلنها مؤخرا الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله، «لأنّ هذه المسائل تقررها الدولة وليس فريقا سياسيا».
لكنّ في المقابل، ثمّة اعترافا بقاسم مشترك بين «الشيخ سعد» و «السيد حسن» يتمثل بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب، وهي تعني بالمفهــوم «الآذاري» إمساك الجيش اللبناني بالحــدود مع ســوريا في الإتّجاهين «فلا يطلع أحد الى سـوريا ولا يعود أحد منها».
وتندرج الانتخابات الرئاسية ضمن هذه الإستراتيجية الوطنية ضدّ الإرهاب لأنها تسهم في إطفاء حريقه عبر إعادة بناء الدولة المولجة وحدها دون سواها بمهمة مكافحة الإرهاب، وهي خطوة يتميّز فيها «التيار الأزرق» لأنها ترسم خريطة طريق لاستقرار مستديم في لبنان.
بالرّغم من قناعته بضرورة الإسراع في الاستحقاق الرئاسي، لن يقوم «تيار المستقبل» بخطوات إضافية في شأنه، فالأفق مسدود بنظره لغاية اليوم بسبب تشبّث كلّ طرف سياسي بموقفه، وهو قام مع حلفائه في «قوى 14 آذار» بكلّ ما يلزم لعدم عرقلة الإستحقاق الرئاسي: المشاركة في الجلسات الانتخابية وفتح خطوط التواصل مع جميع المرشحين المحتملين، والاستعداد لقبول العدد الوافر منهم، إذ لا تضع هذه القوى أيّ «فيتو» على أية شخصية.
أمّا الحوار مع رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون فهو ليس شكليّا البتّة» بل هو صادق وقد أدّى الى نتائج إيجابية في العديد من الملفّات الاقتصادية وتبيّن وجود قواسم مشتركة مع الجنرال عون وخصوصا في ملفات مكافحــة الفساد، من هنا تمّ وضع النقاش حول رئاسة الجمهورية خارج إطار الحوار بين الطرفين، خصوصا وأنّ «قوى 14 آذار» وعلى راسها «تيار المستقبل» يعتبرون ان الخلاف الحقيقي هو مع «حزب الله» وليــس مع «التــيار الحر».
بالرّغم من هذا الجوّ الإيجــابي فإنّ كلّ هذا التواصل مع «الجــنرال» لن يفضي الى انتخابات رئاسـية كــما أنتــج سابقا حكومة.
ينتظر «المستقبليون» التوافق المسيحي انطلاقا من قناعة راسخة يعبّر عنها رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري في لقاءاته اليومية: رئيس الجمهورية اللبناني هو الرئيس المسيحي الوحيد في المنــطقة وينبغي أن يحصل اتــفاق مسيــحي حــوله وليس بالضرورة إجمــاعا، ولكـــن لا يمكن للمسلمين انتخاب رئيس لبنان لوحدهم، للمسلمين رأيهم بالتأكيد… ولكنه ليس الرأي الوحيد».