يتسم الحوار المرتقب بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” بأهمية بالغة، وإن كان يأتي في خضم جمود سياسي يستنزف الساحة الداخلية في إنتظار تطورات خارجية تحدد بوصلة المرحلة المقبلة.
تطغى لدى بعض المراقبين خشية أن يكون الهدف من رفع الصوت حول الحوار المزمع، تمرير الوقت الضائع في مرحلة الفراغ التي يخشى أن تطول، وخصوصاً بعدما تمددت مهلة المفاوضات الاميركية – الايرانية لستة اشهر جديدة.
وليست حيثيات هذا الحوار بعيدة من تلك العائدة الى ملفي الامن الغذائي وقانون الانتخاب اللذين فُتحا على عجل ليطغى ضجيجهما على صفقة التمديد للمجلس النيابي والطعن المقدم من “التيار الوطني الحر” امام المجلس الدستوري، الذي يجد نفسه مرة جديدة أمام إمتحان إثبات صدقيته، بعدما سقطت هذه الصدقية مع التمديد الاول للمجلس.
لكن هذا لا يقلل من أهمية أن يستأنف فريقا النزاع في لبنان تواصلهما، وإن يكن أي منهما لا يملك هامشاً واسعاً من المناورة، بعدما كبَلتهما سقوفهما العالية حيال الملفات موضع النزاع.
ليست المرة الاولى يتحاور التيار والحزب، بل كانت قنوات الحوار مفتوحة حتى في الظروف الصعبة. وكان اللواء الشهيد وسام الحسن كما اللواء أشرف ريفي أبرز الشخصيات التي قادت هذا التواصل.
لا تخفي أوساط مستقبلية أهمية استئناف هذا التواصل لما له من تأثير كبير على تنفيس الاحتقان المذهبي، لكنها لا ترى أنه يؤسس لمسار نهائي في ظل الاوضاع الساخنة والمتقلبة في المنطقة.
وهذا لا يعني في رأي الاوساط أن الحوار لن يكون له فائدة تتجلى في إدارة الازمة والخلافات بين الفريقين. بدا ذلك واضحاً مع تراجع منسوب الخطاب التصعيدي، كما تجلى في إدارة العمل الحكومي، حيث تعي القوى السياسية أن تعطيل الحكومة لن يؤدي إلا إلى تعطيل المصالح وتسيير شؤون الدولة.
كما أن الحكومة تشكل في الوقت الراهن صمام الامان الوحيد الذي يحول دون الانهيار المؤسساتي في ظل إستمرار الشغور في سدة الرئاسة الاولى. فالتمديد للمجلس النيابي يظل مدرجا تحت خانة تمديد الضرورة بقطع النظر عن قرار المجلس الدستوري الذي لا تزال الشكوك تحوط إمكان قبوله الطعن، أو أنه سيلجأ إلى مخرج يحفظ له ماء الوجه من دون أن يسقط التمديد.
تتجه الانظار إلى ما سيقوله زعيم التيار الازرق اليوم في إطلالته الاعلامية مع الزميل مرسال غانم على شاشة “إل بي سي”، وخصوصا أنه سيحدد فيها موقف تياره من الحوار مع الحزب من ضمن خريطة الطريق التي سيرسمها للمرحلة المقبلة.
وكل المعطيات تؤشر إلى أن الحريري سيرحب بالحوار، كيف لا وهو الذي بادر إلى مد اليد قبل أشهر. وليس كلام الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء إلا تلقفا لتلك المبادرة وتجاوباً معها.
أما الكلام على تفاوت ردود الفعل في قيادات التيار بين مرحب أو معارض، فإن للأوساط المستقبلية المطلعة قراءة خاصة بهذا الامر، منها ما له علاقة بتسويق الحوار لدى القواعد الشعبية للتيار، ومنها ما له علاقة بتسويق الفريق الآخر للحريري.
فالقول إن ثمة تبايناً بين الحريري وبعض صقور التيار على الحوار، يخدم على ضفتي “المستقبل” و”حزب الله”.
والحزب يحرص على إبراز الحريري في موقع الزعامة كما هي الحال واقعاً، فيما يسعى المستقبليون المتحفظون عن الحوار إلى حفظ خط الرجعة بحيث إذا فشل الحوار يُعزى الامر إلى الحسابات الداخلية للتيار والتحفظات المسجلة من دون أن يُشكَك في النيات الصادقة للحريري في التواصل.
لا شك في أن طريق الحوار عندما يبدأ سيكون طويلا ومحفوفاً بالشروط والسقوف العالية، لكنه في الوقت عينه، سيعكس مناخاً إقليميا بدأ يتبلور على مستوى الراعيين الاقليميين للاعبين المحليين، من شأنه أن يسهل مرور الوقت بالحد الادنى من الأخطار.