IMLebanon

«المستقبل» بريء من حملة ريفي على عون

في ظلّ الجمود المسيطر على الساحة، والشلل الذي أصاب الحكومة، والذي يُرجَّح أن يمتدّ خلال شهر رمضان المبارك، بدا وكأنّ هناك قرارًا متخذًا لدى مختلف الأفرقاء بالحفاظ على «الحدّ الأدنى» من الليونة في الخطاب السياسي حفظاً لـ»خط الرجعة» على الأقلّ، خصوصًا أنّ الاتصالات تسير على قدمٍ وساق للوصول لحلّ ما يعيد العجلة الحكومية للحركة.

ولكن، وعلى جري العادة، يبقى هناك «متطوّعون» لا يتردّدون في «خرق» مثل هذه القرارات، سواء لتمرير الرسائل أو تسجيل الأهداف. من هنا، لم يكن ممكنًا تجاهل تصريحات وزير العدل أشرف ريفي التي رفع فيها السقف عالياً إزاء رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، وصولاً لحدّ «تشبيهه» بنيرون، والقول أنّه على استعداد لحرق البلد في سبيل مصالحه ومصالح عائلته، داعيًا لوضع حدّ لما أسماه «دلع وغنج» عون.

لا ترى مصادر في قوى «8 آذار» ما يستحقّ التعليق في كلام ريفي. تقول أنّ «الإناء ينضح بما فيه»، وبالتالي فإنّ «الجنرال» لا ينتظر شهادة «حسن سلوك» من «وزير عدلٍ دفن العدل في عهده»، على حدّ تعبير المصادر، التي تلفت إلى أنّ ريفي في المقابل هو من يحتاج لشهادات حسن سلوك، بالنظر لـ»سجلّه الحافل سواء في تغطية ودعم الإرهابيين الذين يصرّ على وصفهم بالثوار والوقوف على خاطرهم، أو في مساندته يوم كان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي لقادة المحاور بوصفه الأب الروحي لهم، باعترافه واعترافهم على حدّ سواء».

المفارقة، وفقاً لهذه المصادر، أنّ ريفي، وفي سياق «حملته المريبة» على عون، اعترض على الحراك الذي يقوده «الجنرال» حكومياً على خلفية رفضه التمديد للقادة الأمنيين خلافاً للدستور، ولكنّه وبدل أن يعلّل اعتراضه بأسبابٍ موجبة مقنعةٍ، ذهب للقول أنّ «الجنرال» لم يفعل ما يفعله اليوم عندما أخذ منه «حليفه» موقع مديرية الأمن العام، ولم يتباكَ على حقوق المسيحيين وقتها. تعتبر المصادر أنّ هذا الأسلوب في الاعتراض القائم على «الغيرة» مثيرٌ للسخرية بكلّ ما للكلمة من معنى، وهو بالتحديد الأسلوب الذي يستخدمه الأولاد عندما يعترضون على طريقة تربية أهلهم لهم عندما يخطئون، فيلجأون للقول أنّ أحد إخوتهم أو أقربائهم ارتكب خطأ شبيهاً بخطئهم ولم يُعاقَب مثلهم، وهو أسلوبٌ لا يرقى لمن يصنّفون أنفسهم بـ«رجال الدولة»، بل يشرّعون لأنفسهم طموحًا بالوصول للمراكز العُليا.

عمومًا، فإنّ مصادر «8 آذار» تعرب عن اعتقادها بأنّ حملة ريفي «شخصية» وهي لا تعبّر عن موقف «تيار المستقبل» الرسمي من قريب أو من بعيد، بدليل أنّ رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة المعروف بمواقفه المناهضة لعون بشكلٍ عام لم يتبنّه، ما يوحي بأنّ ريفي قد يكون «نصّب نفسه» بديلاً عن النائب «المشاغب» خالد الضاهر الذي دفع «فاتورة» تغريده خارج السرب «المستقبلي» بتعليق عضويته في كتلة التيار في البرلمان، وتذهب أكثر من ذلك بحيث تكشف عن «رسائل غير مباشرة» وصلت إلى «الجنرال» من خلال «وسطاء» تؤكد «براءة» التيار من تصريحات ريفي، ملمّحة لإمكانية إلحاقها بـ»رسائل مباشرة» قد يتولى دفتها وزير الداخلية نهاد المشنوق، وهو الذي لا يبدو على «وئام» أبدًا مع ريفي كما يعلم القاصي والداني، فضلاً عن كونه «زائراً دائماً» للرابية وجنرالها.

ما ذهبت إليه مصادر «8 آذار» تؤكده بشكلٍ أو بآخر مصادر نيابية في «كتلة المستقبل»، إذ تنفي أن تكون تصريحات ريفي تعبّر بشكلٍ رسمي عن اتجاهات الكتلة، التي يُحصَر موقفها الرسمي بالبيانات الرسمية التي تصدر عنها بشكلٍ دوري، فضلاً عن بيانات رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري التي تصدر بين الفينة والأخرى. لكنّ هذه المصادر تدعو لعدم «تضخيم» القضية، مستهجنة كيف يضع البعض التيار في قفص الاتهام، بحيث يصبح واجبه أن يعلّل ويبرّر كلّ تصريحٍ أو موقفٍ يصدر عن نائبٍ هنا أو وزيرٍ هناك، في وقتٍ لا يجد أحدٌ نفسه مضطراً لتبرير مواقف خطيرة تصدر عن غيرهم، على غرار الموقف الشهير لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي احتوى على تهديداتٍ لريفي وللأمين العام لـ «تيار المستقبل» أحمد الحريري، وكذلك موقف نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم يوم أطلق معادلة «عون أو لا أحد».

برأي مصادر «المستقبل»، ما قاله ريفي يعبّر عن موقفه الشخصي أولاً وأخيراً، كما أنّ كلّ موقفٍ يدلي به أيّ نائبٍ أو وزيرٍ أو قياديٍ يعبّر في النهاية عن رأيه، وهو رأيٌ قد يلتقي معه آخرون في «المستقبل» وقد لا يلتقون، ولكنّ التيّار في النهاية هو تيّار ديمقراطي وليس شمولياً، وبالتالي فهو لا يقمع أحداً ويسمح للجميع بالإدلاء بآرائهم السياسية أياً كانت، علماً أنّ موقف ريفي ليس بالحدّة التي يحاول البعض تصويرها، بل إنّه يمكن أن يكون «فشة خلق» لكثيرين باتوا مشمئزين من التعطيل المتمادي الذي يمارسه البعض لمصالح خاصة، فكما تعطّل تشكيل الحكومة من أجل «الصهر»، ها هي تتعطل من جديد من أجل «الصهر الثاني»، علماً أنّ المصادر تؤكد أنّ لا شيء شخصياً بين ريفي و«التيار»، بدليل اللقاء «على الواقف» الذي جمع بينه وبين الوزير الياس بو صعب وقائد فوج المغاوير في الجيش العميد شامل روكز على هامش احتفال السفارة الأميركية في بيروت، والذي ضجّت به وسائل التواصل الاجتماعي.

«المستقبل» بريء إذاً من تصريحات ريفي، وهو لا يتبنّاها، ربما عن قناعة، وربما خوفاً من تداعيات «غضب» الجنرال، التي قد تصل لحدّ تهديد النظام عن بكرة أبيه. ولكنّه، مع ذلك، لا يرى فيها هذا «العيب الكبير» الذي يحاول البعض تصويره، وكأنّ «الديمقراطية» يجب أن تُسلَخ من الأحزاب أيضًا. القصة لا تستحق، يقول «المستقبليون»، فهل تنتهي القضية عند هذا الحدّ أم أنّها تُستكمَل بفصولٍ أخرى يُعلَن عنها مع بدء «العدّ العكسي» لـ»ساعة الجدّ»؟