IMLebanon

«المستقبل» يُحاور «عن كلّ لبنان»

يترقّب الرأي العام الموالي والمؤيّد لقوى «14 آذار» والرأي العام اللبناني عموماً، انطلاق أولى جولات الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله». ولعلّ القاعدة الشعبية الحاضنة للتيار «الأزرق» تتابع بدقة تفاصيل هذا الملف، خصوصاً في ظلّ انطلاق حملات إعلامية تُشكّك في الحوار وأهدافه في بعض المناطق المحسوبة على «المستقبل»، ترعاها جهات سياسية تقف في الضفة المقابلة للتيار ورئيسه.

بعد إعلان الرئيس سعد الحريري استعداده لبدء الحوار مع «حزب الله»، طرح خصومه السياسيون، وتحديداً محور الرئيس نجيب ميقاتي وسنّة «8 آذار» تساؤلاً يرى بعض المراقبين بأنّه جوهريّ وطبيعيّ، وقابل للنقاش: لماذا قبل الحريري الحوار الآن مع الحزب، وهو كان من أشدّ الرافضين له، في عهد حكومة ميقاتي؟

من الواضح أنّ هذا التساؤل، وفي هذا الوقت بالذات، يجب طرحه على قيادة «حزب الله» نفسها، وليس على الحريري. بمعنى آخر: لماذا وافق «الحزب» اليوم على فتح باب الحوار مع «المستقبل»؟

باعتبار أنّ كل ما قام به منذ العام 2011، وتحديداً منذ الانقلاب على حكومة الحريري، يأتي في سياق انتصار مشروعه السياسي والاقليمي، بحسب رأي مؤيّدي الحزب ومنظّريه، وإخضاعه تبعاً لذلك، الدولة اللبنانية بكلّ مؤسساتها، الدستورية والأمنية، وأحزابها وفاعلياتها النقابية والاجتماعية، الى معادلة بسيطة: الاستقرار مقابل الخضوع، أو الثورة مقابل اندلاع حرب أهلية جديدة في البلاد.

حينها كان من الطبيعي، أن يكون تيار «المستقبل»، ومعه قوى «14 آذار» في الضفة الاولى من المعادلة، فالهمّ الأكبر بالنسبة الى هذا المحور كان ولا يزال وسيبقى حماية الاستقرار، إلى حين إنضاج تسوية اقليمية، قد تغيّر أو تبدّل في ميزان القوى المحليّ.

لكن تبعاً لتتابع الأحداث ونتائجها، ظهر لـ»حزب الله» أنه فشل تماماً في تجربته على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، فلم يستطع على المستوى المحليّ إخضاع البلاد لمشيئته وإرادته المنفردة، على رغم تحكّمه بمفاصل الحياة السياسية، وسيطرته شبه المطلقة على حكومة ميقاتي.

أما على المستوى الاقليمي، فيبدو أنّ الحزب راقب بتمعّن التجربة العراقية والفشل الذريع الذي أصاب رئيس الوزراء نوري المالكي بسبب تعنّته واستبداده، عبر استبعاد الطائفة السنّية من المشاركة الفعلية في الحكم، ما أدّى في نهاية المطاف الى استقالته، إن لم نقل اقالته بفعل أوامر إقليميّة راعية صارمة وصلته عبر الحدود.

أما الحريري، فبإطلاقه عجلة الحوار اليوم، يحاول وقف النزيف الحاصل في البلاد منذ العام 2011، وتدارك ما ارتكبته حكومة ميقاتي من عثرات أودت بالبلاد الى مأزق سياسيّ وأمنيّ واقتصاديّ واجتماعيّ، فضلاً عن تصاعد حدة الخطاب المذهبي والطائفي والفئوي.

«المستقبليون» يرون أنّ الحريري يقود في هذه اللحظة المفصلية، حواراً صريحاً يفرض أو أقلّه يشارك ندّياً في وضع جدول أعماله، محصّناً بقاعدة شعبية واسعة، وكتلة نيابية كبيرة، وعلاقات عربية ودولية فاعلة.

ووفق معلومات «الجمهورية»، فإنّ «تيار «المستقبل» لن يحيد عن اقتناعاته، وهو يعلن منذ الآن، وقبل انطلاق الحوار عن ثوابت لن تكون محلّ تجاذب او مقايضة.

بالنسبة إلى «المستقبل» النظام السوري بقيادة بشار الأسد، نظام استبداديّ قتَل شعبه وهو راحل حتماً، ويجب استبداله عاجلاً أم آجلاً. كما أنّ وجود «حزب الله» العسكري في سوريا والمشاركة الى جانب النظام في حربه على الشعب السوريّ، أمر لا يمكن القبول به إطلاقاً، وعليه، سيبقى «المستقبل» يطالب الحزب بالخروج من المستنقع السوري والعودة الى لبنان فوراً، ولن يعترف بسلاح «الحزب» أو يقرّ بشرعيته.

ويعتبر «المستقبليون» أنّ المحكمة الدولية أصبحت أمراً واقعاً، ولن تدخل ضمن السجال المحلي الداخلي، ولن يُسمح لـ»حزب الله» في المساومة عليها، باعتبارها بالنسبة إلى الحريري ومناصريه أمراً جوهرياً، ويجب أن يستمرّ عملها حتى إحقاق العدالة.

مرتكزات «المستقبل» للحوار

تلك النقاط بالنسبة إلى الحريري وتياره، ركائز أساسية، وطالما أنّ «حزب الله» غير مستعدّ للقبول بها والاذعان لها، لا باعتبارها مطالب فئوية أو حزبية يقودها «المستقبل»، بل بوصفها مطالب وطنية تحقق الصالح العام، ومصالح جميع اللبنانيين. لذا، فمن الأجدى ألا تدخل في بنود الحوار المرتقب.

وتشير المعطيات المتوافرة أنّ «المستقبل»، قد يحدّد الاطار العام لجدول أعمال الحوار بالآتي:

– حلّ الفراغ الرئاسي عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

– تسيير الانتخابات النيابية، والاتفاق على معالم قانون انتخابي جديد.

– وقف الاحتقان المذهبي، والحدّ من التعبئة الدينية.

– محاولة البحث في ضبط السلاح المتفلّت في كل المناطق اللبنانية والتقليل من انعكاسه السلبيّ على حياة المواطنين، لحين الوصول الى حلّ شامل لوجود السلاح خارج الشرعيّة اللبنانية.

– تحديد الاطار العام للحكومة المقبلة، لتفادي أزمة جديدة أمام كل استحقاق دستوري.

– وقف التدهور الاقتصادي، من خلال توفير المناخات السياسية والامنية التي تسهم في تحقيق انتعاش ونموّ اقتصادي في لبنان.

عناوين رئيسة، نجح الحريري من خلال حصرها، في عدم اعطاء «حزب الله» أيّ فرصة للمناورة الاعلامية التي يجيدها، واللعب على المقرّرات أو النتائج التي ستصدُر عن الحوار.

ثمّة مَن يقول، إنّ الحريري قرّر هذه المرة المفاوضة مع «حزب الله» وفق قواعد لعبة يضعها بنفسه، فهو سيحاور عن جميع اللبنانيين، لمصلحة جميع اللبنانيين. برأيه أنّ ما سيجنيه من هذا الحوار لن يخدم تياره السياسيّ فقط بل سيخدم لبنان الوطن السيّد الحرّ والمستقلّ. بذلك لا يعود الحوار حواراً ثنائياً بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، بل بين «حزب الله» ولبنان.