ركزت الزيارة التي قام بها الرئيس سعد الحريري لباريس ولقاؤه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على أفكار تردد أن الفرنسيين يعملون عليها من أجل إخراج لبنان من أزمته الرئاسية. وتفيد معلومات مصادر قريبة من الحريري أنه لم تكن هناك أفكار جديدة، بل مسعى للمساعدة. والخلاصة عبر عنها الحريري بعد لقائه الرئيس الفرنسي الذي يبدو انه استوضحه بالنيابة عن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي كان التقى هولاند قبل الحريري، لكن من دون ان يتبنى الفرنسيون فكرة البطريرك على ما يبدو، سبب عدم مفاتحة العماد ميشال عون مباشرة في الموضوع. والجواب الذي أعطاه الحريري انه لا يرى مبررا للكلام مع الجنرال، على رغم أن ليس لديه أي مانع. لكن عون ليس حليفه، ولا النائب سليمان فرنجيه، وليس سعد الحريري من يجب أن ترمى الكرة في ملعبه لانه ليس هو من يوقف انتخاب رئيس الجمهورية، بل على العكس قام بمبادرات عدة لتسهيل انتخابه، في حين ان من يوقف الانتخابات هو عجز العماد عون وحليفه “حزب الله” عن إقناع حلفائهما بانتخاب عون. يضاف الى ذلك ان الحزب هو من يعطل النصاب في مجلس النواب. ولذلك يتعين على من يرغب في حلحلة الامور ان يتحدث مع الرئيس نبيه بري من اجل انتخاب عون، ومع حلفاء الجنرال، خصوصا أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بات يؤيد انتخابه. أما إذا كانت المسألة هي انتخاب الحريري لعون رئيسا، فهذا لن يحصل، ولن يعطيه صوته. وتنفي هذه المصادر أن يكون الفرنسيون طرحوا في أي لحظة فكرة انتخاب رئيس لسنتين، وهي فكرة تعود في جوهرها الى الرئيس حسين الحسيني الذي أتى بفكرة انتخاب رئيس لمرحلة انتقالية لسنة، وتبناها على ما يبدو أحد السفراء الغربيين قبل أن يدحضها كليا السفراء الاوروبيون، علما ان رئيسا لسنتين في رأي الحريري، بحسب المصادر نفسها، يشكل أكبر ضربة للمسيحيين، الأمر الذي يفسح في المجال واسعا أمام اقتراح تقدم به رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ماذا إذا عن الافكار التي اقترحها بري على نحو رسمي على طاولة الحوار؟ تفيد مصادر قريبة من الحريري أن اقتراح رئيس المجلس مفاده السؤال الى أين يتجه البلد، لانه مضت سبع سنوات على محاولة التوصل الى قانون جديد للانتخاب، وعجز الأفرقاء السياسيون عن ذلك، واذا انتظر البلد سنة اضافية حتى انتخاب رئيس للجمهورية فهذا مهين للدولة، ومن المحتمل أن نذهب الى قانون الستين، فلم لا نضع إطارا لاتفاق يقوم أولا على أن نتفق على قانون انتخاب خلال الشهرين او الثلاثة المقبلة، وإذا لم يحصل ذلك فنطالب بانتخابات مبكرة على أساس قانون الستين، إنما يتعهد الجميع أنهم اذا ذهبوا الى الانتخابات فلن يعطل أحد النصاب لانتخاب الرئيس؟ الفكرة في مضمونها تنطلق من السؤال في الاشهر القليلة المقبلة، وفي حال لم يصر الى الاتفاق على قانون انتخاب جديد، هل يبدو أحد من الافرقاء السياسيين في وارد التمديد لمجلس النواب مجددا؟ الجواب طبعا لا، مما يحتم إجراء انتخابات نيابية. ومن هنا السؤال الثاني: على أساس أي قانون تجرى الانتخابات إذا لم يكن هناك اتفاق على قانون جديد، ولا نستطيع التمديد، وهو ما يقود تاليا الى تعويم قانون الستين. وعندئذ يطرح السؤال الثالث: لماذا الانتظار حتى حزيران المقبل؟ فلنعجّل فيها ونذهب الى عدم اجراء انتخابات مبكرة، ويفتح الباب عندئذ امام انتخاب رئيس جديد، فقد يرتاح الحزب عندها من التزامه بعون، لأن الاتفاق يقضي بألا يعطل أي من الافرقاء بعد ذلك النصاب، في ضوء التساؤل هل طرح الرئيس بري هو من دون معرفة الحزب او بمعرفته؟
في أي حال، لم يتخذ “تيار المستقبل” موقفا من هذه الافكار، لكنه لم يبد موقفا سلبيا ايضا، علما أن المصادر القريبة من الرئيس الحريري تقول انه لم يحصل تواصل بين الرجلين حول الموضوع، فيما تفيد معلومات عن اجتماع داخلي لـ”تيار المستقبل” في الايام القليلة المقبلة من أجل مناقشتها في ضوء وجود آراء عدة في هذا الإطار، علما أن الانظار ستتجه الى الافرقاء المسيحيين في الحوار، وقد صدر موقفان امس لكل من الكتائب و”القوات اللبنانية” رفضا للعودة الى قانون الستين، وهو ما يثير تساؤلا انه في حال لم يحصل اتفاق على قانون انتخاب فماذا سيكون البديل؟ والى متى يستطيع الافرقاء المسيحيون رفض اقتراحات مماثلة فيما تبدأ الاسبوع المقبل السنة الثالثة للشغور في موقع الرئاسة الاولى؟ لكن يبدو ان هناك محاولات لتلمس إيجابيات الفكرة على رغم وجود مخاوف تحدث عنها بعض الافرقاء حول طاولة الحوار، ومن بينها مدى التزام “حزب الله” تعهدا في هذا الاطار، ونقض “اعلان بعبدا” لا يزال يشكل نموذجا على ذلك، الامر الذي يفتح الباب على تعهدات علنية وضمانات، شأن تلك التي أعطيت في الدوحة.
الاشكالية الاساسية تكمن في رأي مراقبين في ان كثرا لا يشكّون في رغبة بري الصادقة في كسر الجمود، انما كيف يمكن القيام بذلك من دون ان يعطي الانطباع انه يعلن مراسم ارجاء الانتخابات الرئاسية؟ ففي اللحظة التي يوافق فيها الحريري مثلا على اقتراحه، باعتباره القوة الاساسية التي تتمسك بذلك، فانما يعني الأمر تعليق الانتخابات في وقت يطالب الحريري منذ سنتين بانتخاب رئيس للجمهورية، باعتبار أن لا حل في البلد من دون انتخابات رئاسية.