كل الانظار مشدودة الى عودة سعد الحريري وما ستنجزه تلك العودة من احداث سيكون لها تأثيرها على الساحة السياسية والوضع اللبناني برمته الذي دخل مرحلة مأزومة وخطيرة جداً وحيث يمكن ان تتفاقم مع ما يحضره التيار العوني من خطوات في الشارع احتجاجاً على التهميش ولتحقيق الميثاقية في التعاطي بين الشركاء في الوطن. ولعل عودة الحريري اليوم تستحضر «رجعاته» السابقة الى لبنان بحسب مصادر متابعة لتحركاته وان كان الظرف الحالي لا يحتمل ومختلفاً عن اي مراحل اخرى، فعندما عاد سعد الحريري الى لبنان عشية احتفال البيال في آذار الماضي كانت كل التوقعات تشير الى حدث ما او تحول سيغير في الواقع السياسي الراهن المتأزم فاستبشر بعضهم حلولاً سحرية حريرية للملف الرئاسي المأزوم إما بسحب ترشيح سليمان فرنجية او بتفاهم مع الرابية يفضي الى حلول للأزمة وينتج رئيساً للجمهورية ورئيساً للحكومة، ولكن ما هي الا ساعات على مضي المناسبة الآذارية حتى اتضح السيناريو او خريطة الطريق التي مشى عليها الحريري والتي باشرها بهجوم واسع من على منبر «البيال» على حزب الله وايران وبمزحة سمجة لحليفه المسيحي في معراب يصعب على الحكيم حتى اليوم ان يهضمها ولو «تسحر» الزعيمان مع بعضهما ذات ليلة رمضانية او زار احدهما الآخر.
الحريري اليوم لا يشبه الحريري قبل سنة او قبل سنتين حتى، تضيف المصادر، فالحريري حضر في المرة الاولى على اثر تداعيات معركة عرسال وتفاقم الخطر الارهابي واختطاف العسكريين من قبل «داعش» و«النصرة»، فيومها عاد عندما كان مطلوباً منه اداء دور سياسي مختلف عندما دخل الوضع دائرة المحظور وهددت «الدولة الاسلامية» عرسال ولبنان فعلياً لانشاء «امارتها» وبعدما طرقت الفتنة السنية الشيعية الابواب وراحت السيارات المفخخة تتجول بين الضاحية وجبل محسن وانكشفت سيناريوهات مخيفة كانت تعد للمناطق اللبنانية، فكان لا بد من وضع اليد مرغماً بيد حزب الله واطلاق الحوار بين المستقبل والضاحية، فيومها اثمرت العودة «ستاتيكو» امتد لفترة مقبولة من الزمن تخللتها خروقات واحداث ومناوشات في السياسة بقيت مضبوطة الى حد ما وتحت المظلة الاقليمية، الى ان تغيرت المعطيات وقرر الحريري وفق المصادر ان ينفذ اجندة ما وليكون فاعلاً ومؤثراً على الساحة. فحصلت حركة متوترة داخليـة تجاه الاخصام في السياسة وبرســائل تصعيدية تجاه فريق 8 آذار بعد ان رشح سليمان فرنجـية للانتخابات الرئاسية.
بدون شك فان عودة الحريري اليوم هي الحدث، تؤكد المصادر، فزعيم المستقبل هو على وشك ان يسير بخيار عون مع ان كل الاحتمالات تبقى مفتوحة على اي انـقلاب او خيارات اخرى، هو بدون شك يرغب باطلاق مسار سياسي جديد وتغيير يكون هو قائده، فالحريري تلمس مؤخراً ان شعبيته تراجعت كثيراً على الساحة السنية وان قيادات سنية اخرى من تيار المستقبل باتت تنافسه في مناطق الامتداد السني فلا بد من تحجيمها وتأنيبها واخراجها من المعادلة بطريقة الحشر السياسي، فالحريري لم يتجاوز بعد صدمة انتخابات طرابلس او نتائج زحلة وبيروت البلدية، فالحريري بدون شك امام عملية اعادة حساباته، لا مزيد من الخطوات الناقصة، قبل مغادرته لبنان كان سعد الحريري يمسك بالقرار وحده في 14 آذار وفي المستقبل واذا بتيار المستقبل صار الى حد ما تائهاً واضاع البوصلة بعد الانتخابات البلدية واذا بصراع الاجنحة في تيار المستقبل يتعزز وسط صراعات النفوذ والامساك بالسلطة. الوضع مع المملكة السعودية لم يعد يشبه ذاته في المرحلة الماضية، فالمملكة لم تسعف الحريري في مسعاه للعودة قوياً عندما حجبت عنه الاموال لحلحلة وضعه المالي وعندما منعت الهبة العسكرية عن الجيش.
السير بخيار ميشال عون قد يكون مكلفاً للحريري او مربحا ومن شأنه ان يفتح صفحة جديدة لمستقبل رئيس تيار المستقبل، بحسب المصادر، فالحريري حتى اللحظة لم ينجح بعد في تجاوز مطب او ازمة دعمه لسليمان فرنجية احد ابرز مرشحي 8 آذار، فكيف اذا سار بخيار ميشال عون الذي قد يكون مكلفاً وثمنه باهظاً واكثر عبئاً في المستقبل خصوصاً ان الحريري على قناعة ان التعاون مع عون لن يكون سهلاً وفق معادلة عون في بعبدا والحريري في السراي، ولكنه مجبر وليس مخير عليها، وعليه سيكون على الحريري كما تقول المصادر، ان يقوم بعملية مسح لكل الالغام المحيطة بقراره الجريء في حال سار بميشال عون الى قصر بعبدا وقد ظهر ذلك واضحاً في لقاءات الحريري مع 14 آذار وكتلته السياسية قبل الانطلاق الى الاخصام والحلفاء، هكذا حل الحريري اولاً في بنشعي للقاء «مرشحه» سليمان فرنجية، حيث يعمل الحريري على تذليل كل العثرات والعقبات، فانجاز الاستحقاق اذا ارتضت الظروف السير بخيار عون من اجل انهاء الفراغ ومصلحة الوطن، بدون شك فان عوامل شعبيته التي تخطت الخط الاحمر في الانهيار وتصعيد عون الذي لا رجوع عنه والمخاوف الامنية بعد المخاوف المالية والاقتصادية هي حوافز تجعل الخيار الحريري ضرورة وحاجة ولو كان موجعاً ومكلفاً.