في كل مرّة كان الرئيس سعد الحريري يواجه فيها «خطراً» داهماً من داخل تياره أو محيطه، كان يظن أن بعض التمرّد ليس سوى سلوك طائش سرعان ما سيُحتوى. لكن الأصوات المُضادة تعالت وحاصرته، ولم يعُد بالإمكان السيطرة عليها. حين يُسأل أي مستقبلي عن سبب ميل رئيس الحكومة إلى الاضطراب طوال الوقت، وشعوره بالضيق يُجيب بأن «الأمور تخرج عن طوعه، لا بل هي خرجت فعلاً».
بعد لقاء «مجموعة العشرين» («الأخبار» 11 تموز 2017، و14 تموز 2017)، ظهر عدد من نواب كتلة المستقبل النيابية في جلسة مجلس النواب الأخيرة معارضين لرئيس تيارهم.
التعبئة ضد الحريري، من داخل بيئته، لا تنحصِر بـ«مجموعة العشرين» والجلسة التشريعية. بينهما الكثير من الكلام والمناسبات والأحداث التي تحصل سراً، وتنبئ بأن واقع الرئيس الحريري ليس بخير. فقد علمت «الأخبار» أنه قبل سفره إلى الكويت، أقيم عشاء على شرفه في بلدة الشبانية، من قبل عضو اتحاد جمعيات العائلات البيروتية المحامي حسن كشلي. ومن بين المدعوين كان الوزير السابق خالد قباني. خلال العشاء فُتح النقاش حول أداء الحكومة، فتدخّل قباني موجهاً انتقادات حادة إلى الحريري في وجهه. استدعى هجومه تدخلاً من أحد المدعوين، لكن قباني انتفض قائلاً إنه سيُكمل حديثه ولا يُمكن أحداً أن يُسكته. وكرّت سبحة الاعتراضات، فاتّهم قباني، بصوت عالٍ، رئيس الحكومة «بالخضوع لشروط حزب الله»، وقال له: «صالحتَ كل الناس إلا جمهورَك» وسط صمت ودهشة الجميع.
يجتمع نواب وشخصيات مستقبلية عند ريفي أسبوعياً
ثقيلة بدت هذه الكلمات على رئيس تيار المُستقبل، لكنها ليست أشدّ عليه مما يقوم به نواب وشخصيات مستقبلية. ففي معلومات أخرى «يجتمع نواب وشخصيات سياسية ونخب تدور في فلك الرئيس الحريري، مرة كل أسبوع في منزل اللواء أشرف ريفي في منطقة الأشرفية». تحاول أوساط مستقبلية وضع هذه اللقاءات في إطار مساعٍ يقوم بها هؤلاء لرعاية صلحة بين الحريري وريفي. لكن الأخير «أكد مراراً أنه لن يُصالح الحريري إلا بعد الانتخابات»، وكأنه «يريد التفاوض من منطلق قوة»، وخاصة أنه يمنّي نفسه بالحصول على ما لا يقل عن سبعة مقاعد نيابية! غير أن مصادر هذه اللقاءات أكدت أن «الكلام المسائي الأسبوعي لم يقتصر على إعادة وصل ما انقطع، بل يتوسّع إلى الحديث عن تحالفات انتخابية، وإمكانية تأليف لوائح مشتركة»، وأن هذا الحديث «يتردّد خصوصاً على لسان نواب مستقبليين باتوا على قناعة بأن لا مكان لهم على لوائح تيار المستقبل في الانتخابات النيابية المُقبلة».
تُوحي هذه المعلومات بحجم الأزمة التي يمُرّ بها الحريري، رغم محاولة مقربين منه التخفيف منها. لكن التعبئة ضده باتت أكبر من احتوائها، بما يعزّز فرضية أن ثمّة من يريد أن يُحدث «هزّة» على مستوى «الشارع المستقبلي»، من خلال القول إن «التنازلات التي يقوم بها الحريري إنما هي جزء من مصلحة شخصية لا وطنية»، وتصويره وكأنه انتهى سياسياً. من غير المعروف حتى الآن، ما إذا كانت هذه «الانتفاضات» تحصل بنحو فردي وعفوي، أو هي مخطّط لها. لكن على الأرجح أن أجنحة المستقبل تنشط، وكلّ وفق مصلحته. فرئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، أيضاً لا يحيّد نفسه عمّا يجري. وأكثر من شخصية مستقبلية كشفت أن «السنيورة يعمل في الآونة الأخيرة على رصد كل الأصوات داخل التيار ومحيطه والمناوئة للحريري، ويدعوها إلى جلسات للنقاش معها». لكن في المقابل، يؤكد المدافعون عن السنيورة أن «حركته هذه تأتي في إطار احتواء الحالة الاعتراضية، كي لا يذهب المعارضون في اتجاه أكثر تطرفاً».