IMLebanon

مشاريع خارج العصر وتفكير”خارج الصندوق”

 

كان مونتسكيو يقول: “إنّ طغيان أمير من الأوليغارشية ليس أكثر خطورة من لامبالاة مواطن في ديموقراطية”. وأقل ما أمامنا وحولنا في لبنان هو مواجهة الخطرين معاً. خطر الطغيان المافيوي على كل شيء، ولامبالاة الأمراء بالإنهيار ومعاناة الضحايا من سياساتهم وصراعاتهم التافهة ما دامت مصالحهم مؤمنة. وخطر لامبالاة المواطنين في بقايا ديموقراطية حيال السطو على البلد، والتصرف كأنه لا حول ولا قدرة على الوقوف في وجه المافيا المتسلطة الموغلة في التعطيل والفراغ. فليس أخطر من التردي المالي والإقتصادي والإجتماعي سوى التردي الوطني والسياسي. وهما وجهان لعملة واحدة. ولا أفظع من العجز المبرمج عن توظيف الفرصة المفتوحة دولياً للسير على طريق الإنقاذ والتعافي، سوى الإمتناع عن وقف التردي.

 

كل شيء يوحي أننا صرنا في حاجة الى ما يسمى التفكير”خارج الصندوق”. فما يدور من صراعات وتفاهمات هو ألعاب داخل الصندوق المغلق على الأزمات وأصحابها. وأي تصور خارج الصندوق يتم التعامل معه كأنه “رومنطيقي” خارج الواقع في لبنان والمنطقة، مع أن قمة الواقعية في حالنا هي التفكير خارج الصندوق. هكذا جرى “احتواء” نزول جيل جديد الى الشارع، في “ثورة 17 تشرين” باستخدام كل الحيل التقليدية والعصبيات الطائفية والمذهبية وإطلاق النار على الأفكار الثورية والإصلاحية التي جرى طرحها. وهكذا يراد لنا أن نتعامى عن خطر مصيري أكبر.

 

ذلك أن ما يحكم الوضع اللبناني هو سياسة القرن التاسع عشر. منطق “المسألة الشرقية” وحقوق الأقليات من جهة، ومنطق الرفض لخسارة الغلبة التي سادت أيام السلطنة العثمانية من جهة أخرى. وكلاهما تجاوزه الزمن وتحديات العالم المعاصر. وما يتحكم بالوضع الحالي لجهة الحديث عن التغيير في أكبر صراع جيوسياسي هو قوتان مرتبطتان بمشاريع إقليمية ومؤمنتان بالغيب، وتمارسان راديكالية سياسية ومحافظة إجتماعية ويمينية رجعية في الإقتصاد. واحدة تعمل لمشروع إمبراطوري ضمن شعار العودة الى قرون غابرة عبر “تصحيح” التاريخ. وثانية تعمل لاستعادة الخلافة ضمن الحنين الى السلطنة والبكاء على سقوطها. أما النخبة التي تحمل أفكاراً جديدة، فإنها مهمشة. وأما الأحزاب العلمانية صاحبة الايديولوجيا التغييرية، وأبرزها الحزبان الشيوعي والسوري القومي، فإنها تبدو محدودة التأثير أمام سطوة الأحزاب والتيارات الطائفية.

 

ومن هنا نبدأ. فالمسألة ليست حكومة أو لا حكومة بل جمهورية أو لا جمهورية. بلد لمشاريع وأنظمة من القرون القديمة بعدما سقطت الأمبراطوريات في القرن العشرين أم بلد لنظام في القرن الحادي والعشرين؟

 

ليس من المعقول أن نبقى أسرى لما سمّاه شريف مجدلاني “الزمن الثابت المتجمد خارج الوقت التاريخي”. ولا من المقبول دفعنا الى أن نتجاهل أنّ “أفضل طريقة لتوقع المستقبل هي إبتكاره” حسب الخبير التكنولوجي آلان كاي.