IMLebanon

«المستقبل» يخرج من مأزق أشرطة رومية بأقل الخسائر

«الحريرية السياسية» مطالبة بمراجعة جادة لمواجهة التحدّيات لما تشكلة من حاجة إسلامية ووطنية

«المستقبل» يخرج من مأزق أشرطة رومية بأقل الخسائر

قيادي في التيار: مخطئ  من يظن أن «حزب الله» هو مَن يُحدّد رئيس الحكومة

خرج «تيار المستقبل» بأقل الخسائر الممكنة من المأزق الذي عاشه مع انكشاف فضيحة الأشرطة المسجلة  للانتهاكات في حق الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية، وانتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي وإعلامياً. ذلك أن سلبيات فضيحة سجن رومية لم تنحصر شظاياها بوزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي يتحمل المسؤولية السياسية عنها، بل تعدّته لتصيب صورة فريقه السياسي وموقعه ضمن بيئته السنية المأزومة أصلاً.

فالشارع السني برمته يواجه حالاً من الإحباط والكبت والاستهداف تحت عباءة مواجهة الإرهاب والتطرّف، على وقع  الاشتباك المستعرّ في المنطقة، والذي يتخذ أكثر فأكثر بعداً مذهبياً، من العراق إلى سوريا التي تنعكس ارتدادات الأزمة فيها  بشكل جليّ على الواقع اللبناني، مع  تمادي «حزب الله» في انخراطه بالحرب السورية وامتدادها إلى الحدود مع لبنان وتصويبه الدائم على عرسال وطرابلس والشمال كمناطق حاضنة للإرهاب والتطرّف، تلاقيه في ذلك ممارسات بعض الأجهزة الأمنية، التي يسود اقتناع لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، سياسيين ومواطنين، أنها تقع تحت سيطرة ونفوذ الحزب.

في السنوات العشر الماضية، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان الاتجاه السائد أن «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي، والتي شهدت نقلة نوعية في قدراتها وإمكاناتها مع الثنائي، أشرف ريفي مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي ووسام الحسن رئيساً للشعبة، بقيت عصية على سيطرة الحزب ونفوذه، وشكلت الغطاء الأمني الموثوق به من قبل «تيار المستقبل» وقوى الرابع عشر من آذار، ومِن قبل الكثير من الدول الغربية. فجاء اغتيال الحسن بمثابة الاغتيال الأمني الكبير الموازي للاغتيال السياسي للحريري. وجاء رفض «حزب الله» للتمديد لريفي أيام حكومة نجيب ميقاتي مؤشراً واضحاً  للعائق الذي شكله أمام محاولات السيطرة على قوى الأمن الداخلي، ولا سيما «شعبة المعلومات» وإضعافها.

ومع تولي النائب نهاد المشنوق وزارة الداخلية، بدا واضحاً أن أولى اهتماماته انصبت على تأمين كل الدعم والاحتضان لـ «الشعبة»، التي تولى مسؤوليتها العميد عماد عثمان على نهج ريفي – الحسن، ورفدها بكل طاقاته لإعادة الوهج والمكانة لها. كان واقع سجن رومية تحدياً ماثلاً أمام المشنوق، ولا سيما الحالة التي شكلها الموقوفون الإسلاميون داخله، فأتت عملية تفكيك تلك الحالة – التي باتت تشبه «الإمارة» - لتسجّل نقطة بيضاء في سجل «الشعبة» في عملية احترافية نظيفة وفق وصف وزير الداخلية. وهي في رأي المتابعين كذلك، لولا الانتهاكات التي حصلت في طريقة التعاطي اللاحق مع الموقوفين المقيدين والذين جرى تعرية صدورهم وإلحاق الأذى بهم ليس من موقع الدفاع عن النفس، بل انتقام وتشفٍ بعقلية ميليشياوية ثأرية.

ثمة من يعتبر أن الخطأ الذي وقع به المشنوق في لحظة «التباهي» بنجاح العملية أنه مال إلى إدراج الأصوات التي علت وتحدثت عن ارتكابات في خانة المزايدات الشعبية والحسابات المناطقية، حتى أن بعض المقرّبين منه علق يومها على التصريحات المنتقدة والتي أتت من البيت الطرابلسي المحسوب سياسياً على الحريري ومن بينها مواقف النائب محمد كبارة بالقول: «أخال وكأننا على ابواب الانتخابات»، وإنْ كان المشنوق قد سعى إلى امتصاص النقمة التي تعالت آنذاك من خلال الإعلان عن إرسال لجنة تحقيق من الصليب الأحمر الدولي إلى السجن، رفعت تقريرها ليبقى طي الكتمان، حسب اتفاق معقود، كما فهم مَن التقاهم المشنوق مؤخراً. واستمر بالخطأ حين أعلن أن نتيجة التقرير جاءت مطابقة للمعطيات التي لديه من أن ما حصل لا يعدو كونه تعرّض بعض الموقوفين إلى بعض الكدمات أثناء عملية النقل من مبنى إلى آخر، فيما كان إعلانه عن إجراءات نقل تمت لبعض العناصر إقراراً ضمنياً بأن تجاوزات قد حصلت فعلاً.

وفي رأي متابعين أنه لو قام المشنوق يومها بالإعلان بشكل شفاف عن الانتهاكات وطبيعتها وإظهار حزمه علانية في رفضها والتصدي لها ومعاقبة مرتكبيها لكان قد حمى بقوة الإنجاز الأمني الاحترافي لـ «شعبة المعلومات»، من موقعها الذي يُحسب على فريقه السياسي، ولكان قطع الطريق على محاولة استخدام ما جرى في محاولة إغراق الساحة السنية عبر إشعال الفتن داخلها في مواجهة أريدَ أن تكون بين التيارات الإسلامية وبيئتها الشعبية وبين «تيار المستقبل» المتهم وزيره أنه يستقوي، من موقعه الوزاري، على تلك التيارات ويخوض حرباً ضدها، تحت عنوان مكافحة التطرف والإرهاب بغطاء سياسي من مرجعيته.

ورغم محاولات قوى الثامن من آذار، ومعها بعض من المتعاطفين مع المشنوق، السعي إلى اتهام ريفي بتسريب الأشرطة لحرق أوراق المشنوق في سياق التنافس بين الرجلين، فإن المتابعين عن كثب لمجريات الأمور يدركون  أن مسارعة ريفي إلى تحريك النيابة العامة لتوقيف المتورطين ومحاسبتهم وتَصَدّر المشهد والتحرّك طرابلسياً،  ساهم في سحب البساط من تحت أقدام مَن كان ينتظر التقاط الفرصة لاختراق البيئة  السنية  شمالاً وبقاعاً، وتأليب الشارع ضد الحريرية السياسية، ونجح  في احتواء التداعيات والحد من انفلات الساحة بشكل كبير، وإنْ كان خصومه وبعض المتضررين من «أهل البيت» سعى إلى إلباس ريفي لباس الهادف إلى الاستثمار السياسي، لكن العالمين ببواطن الرجل يَدرون أن الرجل أمضى سنين عمره في مؤسسة قوى الأمن الداخلي، وأنه يفتخر بما أنجزته «شعبة المعلومات» التي ترعرت على يده، ويعتبرها أمانة في عنقه.

قطوع الأشرطة المسربة، بما حملته من مخاطر فتنة كادت تفجّر الساحة السنية، قد مرّ. على أن القراءة السياسية لما جرى تؤشر للواقع الدقيق الذي يعانيه «تيار المستقبل» ومعه الرصيد السياسي للرئيس سعد الحريري، نتيجة التراكمات السلبية الناجمة عن أدائه سياسياً وشعبياً والشعور بالاستسلام إزاء إحكام «حزب الله» سيطرته على البلاد، وغياب الحريري بما يشكله من رافعة لجمهوره وحلفائه، فيما بعض خطوات وزير الداخلية بدءاً من صورة مشاركة وفيق صفا اجتماعاً أمنياً رسمياً إلى الخطط الأمنية الصورية في مناطق نفوذ «حزب الله»، إلى المديح المتواصل  لشخص المشنوق من قوى 8 آذار والحزب، وتعاونهم معه، وما يقدمه من خدمات  لم يفعلها وزراء آخرون مرّوا على الداخلية من قبل، وتسويقهم على أن دخوله نادي رؤساء الحكومة، ليس سوى مسألة وقت، آلت إلى رسم علامات استفهام  حياله في بيئته الضيّقة وتياره ليس شعبياً فحسب بل سياسي، ما دفع بقيادي رفيع في التيار إلى القول معلقاً: «مخطئ من يظن أن «حزب الله» هو الذي يُحدّد من يكون رئيساً للحكومة… أو أنه قادر على أن يفرض على الحريري مرشحاً ما».

واقع يدفع بالمراقبين إلى الاعتقاد بأن التحدّيات الكبرى التي تواجهها البلاد، والتي يشكل تيار المستقبل الفريق الوازن والمؤثر في حماية استقرار لبنان وفي مواجهة  المحاولات الحثيثة لـ «حزب الله» من الإمساك النهائي بكل مفاصل البلاد ومؤسساتها السياسية والأمنية بات يتطلب من الحريري وتياره مراجعة جادة وخطوات واضحة للنهوض مجدداً به، تعزز الثقة  به وبمشروعه ودوره الذي هو حاجة إسلامية ووطنية بامتياز.