IMLebanon

مفارقات مستقبلية بين المشنوق وريفي والسنيورة

غريبة حتى المفارقة عاصفة السجال بين تيار المستقبل وحزب الله. كأن فيها شيئاً من اصطناع المشكل. أو هي نوع من لعبة بلياردو سياسية، تبدأ باستهداف كرة من لون مغاير، لتنتهي بإصابة كرة من لونك نفسه! ولعبة الألوان صارت معبّرة في الواقع السياسي اللبناني المتنوّع والمتلوّن. لكن لماذا هذا الانطباع؟

يكفي سرد الوقائع التالية، تمهيداً للبحث في أي استنتاج يمكن تكوينه، حيال غرائب الأمور «المستقبلية»:

بدأت القصة بكلام وزير الداخلية نهاد المشنوق في ذكرى وسام الحسن، وتهديده حزب الله بالاستقالة من الحكومة والحوار. كان واضحاً أن بعضاً من دوافع الكلام ضرورة التعبئة الشعبوية ووحي المناسبة وتثقيل طيف الراحل على مشاعر الرجل وانفعالاته… لكن هل يمكن للمشنوق العتيق أن يزلّ اللسان إلى هذا الحد في السياسة؟! علماً أن ملابسات الخطاب التهويلي، تتفاقم أكثر على ضوء معطيين اثنين: أولهما أن كلام وزير الداخلية كان قد سبقه تمهيد وترويج «مستقبلي»، من نوع أن انتظروا خطاب المشنوق وتحضّروا لمفاجأته. ما يعني أن شيئاً من التنسيق لإعلان ذلك، لا بد أن يكون قد حصل داخل الأروقة الزرقاء وبين وجوهها. وثانيهما تأكيد أهل الداخلية، بعد كلمة وزيرها، أن الرجل نسّق فعلاً موقفه مع سعد الحريري شخصياً. لكن في المقابل، هو المشنوق من يدرك أكثر من سواه، أن أي قرار باستقالة تمام سلام أو أي وزير مستقبلي، أو التغيب مرة عن حلقات عين التينة الثلاثية أو الموسعة، ليس في أيدي هؤلاء. ولا هو في بيروت أصلاً. بل قرار كهذا في الرياض… والسفير السعودي كان قد صرح قبل الخطابات وبعدها أن نظامه مع الاستقرار الحكومي. ما يعني أن الباقي كله بين المزاح والمزايدة … وفي المقابل نفسه أيضاً، يدرك المشنوق جيداً كذلك، أن محاضر تلك الحلقات نفسها، تسجل له، لا عليه، لكن، كيف تجرأ وسمّى المسؤول عن عرقلة الخطة الأمنية بقاعاً، وبرّأ بذلك حزب الله. وكيف أسهب في الشرح أن الذريعة المعطاة للتقصير هي عرسال والحدود، فيما السبب الفعلي المقدر هو عرس بعبدا الموعود! ولِمَ لم يستخدم المشنوق حرفية هذه العبارات بالطبع … ما يطرح السؤال: من «زحّط» الرجل؟

في مكان آخر، كان أشرف ريفي يعلن، في خطاب مماثل أيضاً، وفي مناسبة مطابقة للحظة المشنوق، تباهيه بأنه هو من أجهض قضية الترقيات العسكرية، ومفاخرته بأنه هو من وجّه بذلك صفعة إلى حزب الله وميشال عون. بينما كان كلام كتلته النيابية والوزارية، على طاولتي الحوارين، وفي الحكومة، مؤيداً للخطوة وللترقية وللتسوية، منذ بداية الطبخ فيها حتى إحراقها. طبعاً قد يكون خلف الكلام الريفي شيء من الثأر الشخصي المتأخر، انتقاماً لإخراج اللواء المتقاعد من سلكه قبل عامين ونيف. لكن هل تبلغ الكيدية الفردية لدى عضو في جماعة سياسية، حد تجرؤه على كتلته وزعيمها ونقض كلامه ودحض قراره وتكذيب خياره؟! وهل يعقل أن يكون الإسفاف في المناورة السياسية قد بلغ داخل فريق معين هذا الدرك من النفاق؟ بحيث يتولى مسؤولون حريريون تعبيد عتبة شامل روكز أسبوعياً وطيلة أشهر طويلة، تأييداً ومبايعة للطبخة، ثم يخرج وزير حريري زميل للمعبّدين، بخطاب النصر بعد حرقها وإشهار احتفالية الحنث بالوعود ونكث العهود؟!

بين هاتين المفارقتين، كان مسؤول مستقبلي ثالث حاضراً في مجلس عام، حين سئل عن فؤاد السنيورة. لم يتلعثم، ولم يتردّد ولم يمضغ كلماته ولم يتأن في اختيارها وصفّها وفتح النار: كل الأزمة من صنعه. إنه يمسك بالإدارة العامة التي تركها رفيق الحريري، ويستخدمها لتفخيخ مسار الدولة التي أرادها الرئيس الشهيد. يمسك بدار الفتوى ويجعل منها متراس تصفية فئوية ضيقة داخل الطائفة. يمسك بكتلتنا النيابية، ويوجهها ضد سياسة التيار الذي انتخبها… ومن جهة ثانية، المنطقة بكاملها تتجه إلى مسارات حوارية: اليمن يستعد لبدء حواره. العراق يتلمّس طريقه إليه. حتى سوريا محكومة في النهاية بعملية حوارية مرعية خارجياً لإنتاج حل. فيما نحن في لبنان لدينا حواران، يريدنا السنيورة أن ننسفهما؟! ومقابل ماذا؟ لأن قواعدنا لم تعد تقبل به مجرد نائب في صيدا؟! لأن الشيخ سعد بدأ يفكر بالعودة ويحضّر لها ويعد العدة لتنفيذها وتحقيقها؟!

غريبة تلك المفارقات المستقبلية. تكاد ترسم للمتابع صورة أن الحريري يوم خرج من الحكومة كان ضحية خصومه، وحين يفكر بالعودة، لا إلى الحكومة، بل مجرد العودة إلى البلد، يتحول فريسة حلفائه ورفاقه وأهل بيته الأزرق. وتكاد تقنع من لم يقتنع سابقاً بقدرة الوريث الشاب على أن يكون رجل دولة، أنه بات هو المنقذ الوحيد الممكن اليوم، في ظل حروب الورثة وغربان الموت. كيف التأكد من حقيقة كل ذلك؟ السبيل الأفضل يكمن في سلوك خطاب السيد نصرالله حتى النهاية. الله معكن يعني الله معكن، بلغة الحراك الشعبي. فإما أن تفتضح المناورات، وإما أن تفقأ دمّلة باتت كل المناخات مهيأة لاستئصالها أصلاً.