لم يُعطِ الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري الجواب الشافي بعد اعتذاراً أو استمراراً في التأليف. قد تكون جرعة الدعم الروسية التي تلقاها أمس، بالتشديد على حكومة تكنوقراط برئاسته، حافزاً لترجيح كفة الخيار الثاني، فضلاً عن الاجتماع الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي في الرياض. قرار الحريري وحساباته بات توقيتها بالساعات والأيام القليلة، وأيّ قرار يتخذه، ستكون بوصلته «مصلحة البلد». وعلى رغم تداول معلومات عدة عن أنّه حسمَ خياره بالاعتذار ويجري الآن البحث عن إخراج لهذا القرار، إلّا أنّ موقفه لم يُحسم بعد، ولا يزال يستمزج الآراء داخل تيار «المستقبل» وخارجه، حيث أن وجهات النظر متضاربة، بحسب مصادر متقاطعة في «المستقبل».
إعتذار الحريري ليس خياراً آنياً ولا مفاجئاً، هو قرار اتخذه قبل أكثر من شهر، لكنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري «فَرمله» إفساحاً في المجال لإنجاح مساعيه الحكومية لمنع الوصول الى الفراغ. لكن هذه المساعي ارتطمت بعرقلة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بحسب مصادر قيادية في «المستقبل»، وبالتالي لم تبلغ الهدف المنشود، ما أعاد خيار الاعتذار الى الطاولة مجدداً وبجدية. وبالتالي، قد يُعلن هذا الاعتذار اليوم أو الاثنين، أو في أي لحظة. الكلمة الأخيرة لدى الحريري، وحتى كتابة هذه السطور، لم تكن مكشوفة بعد. كذلك قد يطلق الحريري «خرطوشة» أخيرة قبل إعلان الاعتذار، ويقدّم تشكيلة من 24 وزيراً الى عون.
بالنسبة الى مرحلة ما بعد الحريري، وطلب بري منه تبنّي شخصية سنية تُكلّف التأليف لتسهيل مهمتها، فإنّ فريق الحريري غير متحمّس لهذا الامر، ويبدو أنّ الرئيس المكلف كذلك، إنطلاقاً من أنّ شيئاً لن يتغيّر مع الشخصية الأخرى التي ستُكلّف التأليف، وإذا كانت ستوافق على ما رفضه الحريري، فبطبيعة الحال، إنّ الحريري لن يغطّيها. وبالتالي، إنّ مخرج اعتذار الحريري الذي يُحكى عنه هو مأزق في حد ذاته بالنسبة الى «المستقبل»، لأنّ ما بعد الاعتذار غير معلوم، والإشكال موجود لدى عون وفريقه السياسي، بإصرارهما على الإحتفاظ بالقدرة على تعطيل الحكومة وإقالتها في أي لحظة. من جهتها، تقول مصادر نيابية في «المستقبل» إنّ «بري وافق الحريري على توصيفه أنّ الأجواء الحكومية غير مشجِّعة، وأنّ مبادرة بري عرقلها عون وباسيل. وبالتالي، هل الذي منع الحريري من تأليف حكومة سيَدع الشخصية التي يسمّيها تؤلّف؟ ما الضمان لذلك؟ سبق أن سمّى الحريري السفير مصطفى أديب وتبنّاه ولم يُمكّنوه من التأليف».
كذلك يُربَط قرار الحريري الاعتذار بـ»الكلمة السعودية» المُرتقبة، بعد زيارة السفيرتين الأميركية والفرنسية في لبنان للرياض، ومن ضمن جدول أعمال لقاءاتهما مع المسؤولين السعوديين «تأليف الحكومة». وسبق أن دأبَ فريق عون ـ باسيل على تأكيد أنّ الحريري غير حاضر للتأليف لأنّه ينتظر كلمة السر السعودية، والتي لم تأتِه. لكن بالنسبة الى «المستقبل»: «هذه دعاية عونية تافهة. فالحريري لا ينتظر الكلمة السعودية، وهناك تشكيلة وزارية في القصر الجمهوري فليوقّعها عون ويرسلها الى مجلس النواب ويحشر الحريري». وتُحيل مصادر «المستقبل» السائل الى تأكيد جميع القوى السياسية أنّ تعطيل التأليف مردّه الى عون ـ باسيل، ومنها بيانات حركة «أمل» وتصريحات سابقة لبري عن عقبة «الثلث المعطّل».
وتؤكد مصادر نيابية في «المستقبل» أن «لا رابط بين زيارة السفيرتين الفرنسية والأميركية للسعودية بتأليف الحكومة. ومن يُسوّق ذلك هم العونيون لإظهار أنّ الحريري ينتظر ردّ السعودية ليتخذ قرار الاعتذار. فيما أنّ هذا اجتماع تنفيذي بين سفراء بناءً على طلب السفيرتين، لمتابعة ما اتُفق عليه في إيطاليا بين وزراء خارجية الدول الثلاث». وعن إعلان السفارتين قبل الزيارة أنّ البحث في الرياض سيتناول مسألة التأليف والضغط على معطّلي التأليف في لبنان، تعتبر المصادر نفسها أنّ «المقصود مشكلات التأليف وانعكاساته على الجيش والبلد والمساعدات التي يجب أن تُقرّ». وتشير الى أنّ «موقف السعودية واضح وأكّده سفيرها لدى لبنان وليد البخاري، أمس الأول من بكركي، وهو أنّ علاقتها مع لبنان كلّ لبنان. كذلك إنّ مشكلتها مع لبنان الرسمي وليس مع لبنان الشعب، منذ ان رفضَ باسيل حين كان وزيراً للخارجية إدانة الاعتداءات على السعودية مروراً بما يشنّه «حزب الله» عبر أمينه العام وقياداته على السعودية والاساءة المتعمّدة لها فيما لبنان الرسمي صامت، وصولاً الى قضية تهريب الكبتاغون والاستهداف المُمنهج للسعودية عبر بيروت. وهذا الاستهداف الممنهج من «حزب الله» وحلفائه والصمت الرسمي اللبناني جعل السعودية تتخذ هذا الموقف». وإذ تشير المصادر نفسها الى تأكيد المسؤولين في السعودية أن لا علاقة لهم في موضوع التأليف، تسأل: «لماذا نلبسهم ثوب أنّهم يمنعون تأليف الحكومة لأنّهم لا يريدون الحريري؟».
من جهتها، توضح مصادر قيادية في «المستقبل» أنّ «السعودية ركن أساس في الحلّ، لأنّ الجميع يستندون إليها عملياً لتهدئة خواطر الشارع الذي يشعر بخطر، وفي الوقت نفسه لأنّها الوحيدة القادرة، تاريخياً، على تقديم المساعدات المالية الفعلية، والتركيز الأميركي – الفرنسي على إشراك السعودية في الحلّ في لبنان يأتي انطلاقاً من هذه النقطة». أمّا عن أنّ جزءاً من أسباب عدم قبول السعودية الدخول في الملف اللبناني هو مشكلات شخصية ومالية مع الحريري، ووضعها «فيتو» عليه، أقلّه منذ ما حصل عام 2017 حين أعلن استقالته من الرياض، فتوضح مصادر «المستقبل» أنّ «القضية عند السعوديين ليست بهذه التفاهة. بل الذي تغيّر ووضع السعودية في موقع الدفاع والهجوم في الوقت نفسه، هو حرب اليمن على أبوابها، والتي تعتبر السعودية أنّها تهديد وجودي لها بضرب خاصرتها من خلال اليمن. والإشكال الكبير أنّ إيران و»حزب الله» العنصران الأكثر تأثيراً في هذه الحرب. وعلى رغم أنّ السعودية كانت تتجاهل الواقع الخبيث لوجود «حزب الله» في لبنان في مرحلة من المراحل، لكن بعدما أصبح الموقع السعودي وجودياً في ظلّ حرب اليمن، أصبح موقفها عدائياً في هذا الخصوص».
وانطلاقاً من ذلك، فإنّ «الرئيس الحريري يشكّل تفصيلاً بالنسبة الى هذا الموضوع، وقد يكون هناك نوع من «الحرد» السعودي عليه جرّاء إبرامه تسويات محلية مع عون و»حزب الله»، لكن في النهاية إنّ الإشكال لدى السعودية يتخطى مسألة الأسماء والأشخاص الى مسألة التهديد الوجودي الذي تمثّله إيران «وحزب الله».