الى الأسباب التي أعلن رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري أنّها أدّت الى قراره تعليق عمله السياسي وعدم خوضه وتيار «المستقبل» الذي يترأسه المعركة الانتخابية النيابية المقبلة، ترى جهات سياسية أنّ قراره هذا مرتبط بالتبدلات الإقليمية، وبخسارته الدعم الذي كان يحظى به من الخارج وسعودياً تحديداً، وربما لأنّ هذه المرحلة تتطلّب من الأفرقاء في لبنان الدخول في مواجهة واضحة مع «حزب الله»، آثرَ الحريري سابقاً عدم الدخول فيها لأنّها تعني «حرباً أهلية». وسط كلّ ذلك، والى كلّ الأسئلة المفتوحة بعد خطوة الحريري هذه، ماذا سيكون مصير تيار «المستقبل»؟ والى من سيُجيّر أصواته الانتخابية؟
«المستقبل» عاد خطوة الى الوراء لكي يفكّر بطريقة إعادة بناء صفوفه واستيلاد رؤية سياسية تتناسب مع المرحلة. وهو الآن في لحظة تأمّل وإعادة رسم الخطوط العريضة الجديدة التي سيسير فيها، بحسب مصادر قيادية في «المستقبل». أمّا عن طريقة درس هذه الأمور كلّها، في ظلّ غياب الحريري ووجوده خارج لبنان، فتوضح المصادر نفسها أنّ رئيس «التيار الأزرق» لن ينقطع بالكامل، كذلك إنّ قياداته موجودون، وستُدرس هذه العملية بالتواصل مع الحريري مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة، على صعيد هيئة الرئاسة والمكتب السياسي والفاعليات الأساسية في التيار، فالجميع سيكونون جزءاً من هذه العملية. وفي حين يرى البعض أنّ حَسم الحريري قراره ترَكَ تياره السياسي في حال من الضياع تفوق التضَعضع الذي عاشه منذ أشهر في ظلّ الضبابية حول خطوة الحريري، تؤكد المصادر إياها «أنّنا لسنا في حال ضياع لكن الأمور غير واضحة، ونحن نسعى الى تلمُّس الطريق ودرس الأمور».
انتخابياً، يبدو أنّ غالبية المسؤولين في «المستقبل» لن يترشحوا الى الانتخابات خارج عباءة «التيار»، وتفيد معلومات أنّ النائب بهية الحريري ستلتزم قرار رئيس «التيار» كذلك لن تترشح الى الانتخابات باسمها الشخصي. أمّا على صعيد الاقتراع، وفي حين سيعمل كثيرون على ملء الفراغ سنياً بعد عدم خوض الحريري وتياره الانتخابات مع ما يمثلانه سياسياً ونيابياً، في ظلّ تخوُّف من أن تنشط المجموعات المتطرفة لتستميل الشارع السنّي أو أن يكسب «حزب الله» وحلفاؤه من غياب «المستقبل»، ترى المصادر نفسها أنّ الجميع سيحاول أن يستفيد، ومنهم «جماعات» تنبت الآن، فضلاً عن مجموعات 17 تشرين التي تدعو الأحزاب والتيارات التقليدية الى الانسحاب من الحياة السياسية لكي تحلّ مكانها، إضافةً الى متموّلين يتحيّنون الفرصة لخوض الغمار الانتخابي. ويرى «المستقبل» أنّ «الموقع في السلطة لم يعد ينفع في بلد يهترئ يوماً بعد آخر».
أمّا اقتراعاً، فالانسحاب من الحياة السياسية يعني أنّ تيار «المستقبل» لن يوجّه حزبييه ومناصريه وجمهوره الى الاقتراع أو يجيّر أصواته لأي طرف، لكنه في الوقت نفسه لن يدعو الناس الى عدم الاقتراع، فـ»هذا حق شخصي لا يحق لنا أن نصادره»، بحسب مصادر «التيار»، لكن على الناس أن يتخذوا خياراتهم بمفردهم». وتقول: «لا تجيير أصوات ولا دعوة الى عدم الاقتراع، الآن تيار «المستقبل» لا شأن له بالعملية الانتخابية».
أبعد من المحطة الانتخابية، كان الحريري واضحاً في إعلانه «تعليق عمله السياسي»، وليس انسحابه الكامل النهائي والدائم من الحياة السياسية، وهذا يعني «أنّه سيعود مجدداً، ولم نترك الساحة أو نهاجر، بل نحن في إجازة في انتظار توضّح الأمور وإعادة رص الصفوف وترتيب الاوضاع»، بحسب مصادر «المستقبل». أمّا إحياء ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط المقبل، فمن المُرجّح أن يكون بسيطاً هذا العام، وأن يُقتصر على الوقوف أمام ضريحه وقراءة الفاتحة على روحه إضافةً الى بعض التصريحات، بحسب المصادر نفسها، التي تشير الى أنّ الحريري الابن وعدَ بالحضور والمشاركة في هذه الذكرى، الّا أنّ هذا الأمر غير مؤكد. وعن بعض التسريبات الإعلامية عن أنّ هناك ضغوطا تُمارس لكي يُسلّم الحريري مشعل القيادة السياسية وتيار «المستقبل» الى شقيقه بهاء الحريري، تُبدي المصادر نفسها استغرابها لهذا الكلام، مؤكدةً أنّ هذا الأمر، على رغم أنّه مُستبعد، إذا حصل، سيعني انسحاب واستقالة قياديين ومسؤولين من «التيار».
وفي حين يرى البعض أنّ قرار الحريري هروب من المواجهة في هذه المرحلة، تعتبر مصادر «المستقبل» أنّه «ليس هروباً بل موقف متقدّم، لأنّ هذا الطريق الذي نسير فيه لإضفاء شرعية وهمية على واقع غير شرعي، لم يعُد «يمشي»، وعلينا أن نغيّر وقائع اللعبة، إن من خلال الحلفاء أو الخصوم. كذلك إنّ البلد متجه الى الاهتراء، وهناك من يحمّلنا مسؤولية ذلك ويعتبر أنّنا جزء من هذا الوضع، لذلك نحن نخرج من الحياة السياسية والسلطة، وليتفضّل الآخرون ويقدّموا خيارات أخرى». أمّا عدم محاولة الحريري تشكيل جبهة معارضة مع حلفائه السابقين ومعارضي عهد الرئيس ميشال عون و»حزب الله» ومحاولة نيل أكثرية نيابية تقلب المعادلة، فمردّه، بحسب هذه المصادر، الى أنّ هذا الأمر جُرّب سابقاً، و»حصلنا على الغالبية، ثمّ انقلبنا على أنفسنا، وكلّ فريق اتخذ خياره وراح يبحث عن طريقه الحفاظ على وجوده بصرف النظر عن أذية الآخرين».
بالتوازي مع قرار الحريري، برزت الورقة العربية التي حملها وزير خارجية الكويت الى المسؤولين والتي تتضمّن بنودا عدة على لبنان أن ينفذها لاستعادته الدعم، أبرزها ما يتعلّق بسلاح «حزب الله»، ما جعل البعض يرى ارتباطاً بين الحدثين، وإشارة الى مرحلة جديدة مطلوب فيها مواجهة «حزب الله» داخلياً رسمياً وسياسياً. بالنسبة الى مصادر «المستقبل»، قد يكون هناك ارتباط بين الأمرين أو لا يكون، لكن من المؤكد أنّ «هناك فرصة للبنان، على الأقل على مستوى السلطة النظرية، أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والقوى السياسية غير «حزب الله» الذي هو قوة عسكرية موجودة في لبنان ولديها نواب، لكي يُعلن هؤلاء موقفهم الواضح، ليس للدخول في حرب أهلية، بل المجاهرة بموقف سياسي ضدّ ممارسات «الحزب» بلا مقاتلة أحد، فعندها يُسحب الغطاء الوهمي عن «حزب الله».
أمّا الفترة المحدّدة لتعليق الحريري عمله السياسي، والتي لم يُحدّدها، فستستمرّ الى حين ان يلوح في الأفق ضوء حقيقي للتغيير، وعندها، وفق مصادر «المستقبل»، «ندخل في مرحلة نضالية مختلفة، أمّا الآن في ظلّ انسداد الأفق واتهامنا بأنّنا جزء من المشكلة في البلد، إن دولياً أو محلياً، فلا نفع من وجودنا، ونحن ننسحب ونقول أوجِدوا خيارات أخرى، وذلك لأنّ المبادرة الفرنسية اعتبرت أنّ الحريري مشكلة، كذلك يعتبر الخليجيون أنّ الحريري و»المستقبل» يساهمان في تغطية «حزب الله»، فضلاً عن أنّ الوضع الداخلي آفاقه مسدودة».