Site icon IMLebanon

قاعدة الحريري الشعبيّة قد تُقاطع الإنتخابات في حال لم تجد من يسدّ فراغه… وقد تنتفض من أجل البقاء !!

فقدان الميثاقيّة في المجلس الجديد لا يحصل سوى بالتزام الطائفة السنيّة ككلّ بالمقاطعة ترشّحاً واقتراعاً

 

يكثر الحديث اليوم بعد القرار الصادم الأخير الذي اتخذه رئيس «تيّار المستقبل» سعد الحريري بتعليق عمله السياسي وتيّاره وعائلته كذلك، وعدم خوض الإنتخابات النيابية المقبلة باسم «تيّار المستقبل»، عن مقاطعة سنيّة أو شبه مقاطعة للإنتخابات المرتقبة في 15 أيّار المقبل بالنسبة للناخبين المقيمين على الأراضي اللبنانية، وفي 12 منه للموظّفين المشاركين في العملية الإنتخابية، وفي 6 و8 منه لغير المقيمين على الأراضي اللبنانية، في الدول العربية والأجنبية. وإذ يُشبّه البعض هذه المقاطعة السنيّة المرتقبة بالمقاطعة المسيحية التي حصلت في العام 1992، يذهب الى حدّ الحديث أيضاً عن احتمال فقدان الميثاقية في المجلس النيابي الجديد بسبب غياب مكوّن أساسي فيه هو «نوّاب أو ممثّلو الطائفة السنيّة».

 

وتجد مصادر سياسية عليمة بأنّ ثمّة مغالطات كثيرة فيما يتمّ طرحه عن المقاطعة أو عن فقدان الميثاقية في البرلمان الجديد، لا سيما بعد قرار الحريري الأخير بالإنسحاب من الحياة السياسية من دون تحديد أي موعد ممكن للعودة إليها، على غرار ما سبق وأن فعل والده الشهيد رفيق الحريري في بيان عزوفه في 20 تشرين الأول 2004. فبالنسبة للمقاطعة السنيّة، على ما أضافت المصادر، فإنّها تحصل عندما تُعلّق الطائفة بكاملها خوض الإنتخابات النيابية، ترشّحاً واقتراعاً، وهذا لا يمثّل الواقع الحالي، وإن غاب مكوّن أساسي عن الحياة السياسية والمشهد الإنتخابي المقبل، وهو «تيّار المستقبل» الذي لديه 21 نائباً في كلّ الدوائر الإنتخابية. فيما يُمكن اعتبار أنّ هناك شبه مقاطعة سنيّة، في حال قرّر أكثر من مكوّن سياسي سنّي الى جانب الحريري بمقاطعتها، مثل «نادي رؤساء الحكومات»، الذي لم يتخذ قراره النهائي بعد كناد سياسي، علماً بأنّ تمّام سلام أعلن عزوفه عن الترشّح إفساحاً في المجال للوجوه الشابّة، كما أن فؤاد السنيورة تحدّث عن عدم ترشّحه أيضاً، فيما لم يحسم نجيب ميقاتي أمره حتى الساعة، وتمّت بالتالي دعوة الناخبين السنّة الى عدم الإقبال على الإقتراع، وقاموا بتلبيتها.

 

أمّا اليوم، ومع طلب الحريري من نوّاب «كتلة المستقبل» عدم الترشّح باسم «التيّار»، فإنّ قراره هذا يُبقي الباب مفتوحاً أمامهم لكي يترشّح كلّ منهم للإنتخابات النيابية بشكل شخصي، على ما أوضحت المصادر نفسها، في حال قرّر ذلك بهدف خدمة أبناء دائرته ورفض التنحّي عن العمل السياسي، خلافاً لما أوعز الحريري. لهذا تتوقّع أن يُقدم بعض نوّاب «المستقبل» أو المتحالفون معهم على خوض الإنتخابات النيابية في بعض الدوائر الإنتخابية، فيما يُحجم صقور «المستقبل» عن الترشّح إلتزاماً بقرار الحريري، رغم عدم تأييده لهذا القرار ربما، مثل النوّاب بهيّة الحريري وسمير الجسر ومصطفى علّوش ورلى الطبش وسامي فتفت وسواهم… ومن هنا، فإنّ خوض النوّاب الآخرين المعارك الإنتخابات المرتقبة، وإن من خارج «تيّار المستقبل»، وبشكل فردي أو شخصي، وسيتظهّر هذا الأمر خلال الأيام المقبلة مع بدء إعلان الترشيحات، يجعل الحديث عن مقاطعة سنيّة شاملة غير صحيح. كما يُمكن تسمية ما قد يحدث بشبه مقاطعة سياسية وشعبية، أو بنسبة إقبال متدنيّة على الإقتراع من قبل الطائفة السنيّة، مقارنة بالدورات الإنتخابية الماضية، في حال اعتكف عدد كبير من ناخبي «المستقبل» عن الإنتخاب، من تلقاء نفسه، كردّة فعل طبيعية على قرار الحريري.

 

وفيما يتعلّق بإمكانية فقدان الميثاقية في المجلس النيابي الجديد، في حال قاطع الناخبون السنّة الإنتخابات أو أقبلوا عليها ولكن بنسبة متدنيّة، تقول المصادر بأنّ فقدانها يحدث فقط عندما تُقاطع الطائفة السنيّة بأكملها الإنتخابات ترشّحاً وإقتراعاً، أي لا يترشّح ولا ينتخب أي سنّي. ولكن بعد قرار الحريري بعدم الترشّح هو وعائلته وتيّاره، فإنّ إمكانية ترشّح بعض نوّاب «المستقبل» بشكل شخصي، فضلاً عن وجود القوى السنيّة التقليدية والمستقلّة وبعض القوى التغييرية المتحمّسة لخوض الإنتخابات النيابية، فإنّ هذا الأمر سيجعل المرشّحين من الطائفة السنيّة موجودون بكثرة على الساحة السياسية والإنتخابية. كما أنّهم سيتنافسون على إرث الحريري، وعلى الفوز بالمقاعد النيابية الـ 21 التي تخلّى عنها بكلّ بساطة، بعد أن كانت كتلته تضمّ في السابق 33 مقعداً نيابياً، «مستودعاً الله هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيّب» الى أجلٍ غير مسمّى.

 

من هنا، أكّدت المصادر عينها، بأنّه لا يُمكن منذ الآن إجراء مقارنة بين ما حصل في العام 1992 من مقاطعة مسيحية دعا إليها البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير آنذاك، ولبّاها سياسيون(مسيحيون وغير مسيحيين أيضاً مثل تمّام سلام) وأحزاب (مثل حزب «القوّات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية»…)، وتُوّجت بمقاطعة شعبية عارمة، قبل إقفال باب الترشيحات، ومعرفة الى أين يتجه المزاج الشعبي السنّي. فهل الى مقاطعة الإنتخابات جرّاء الإحباط الذي خلّفه قرار الحريري الأخير، أم على العكس الى انتفاضة إنتخابية لملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب الحريري من الحياة السياسية، ومن أجل البقاء أي لكي لا يتمّ انتخاب النوّاب السنّة في المجلس الجديد من قبل الطوائف الأخرى؟!

 

وذكّرت المصادر بأنّه في العام 1992، جرت أول إنتخابات نيابية بعد الحرب في ظلّ قانون إنتخابي وفق تقسيمات جديدة للدوائر الإنتخابية، أتت مختلفة عن تلك التي كانت سائدة منذ الإستقلال، اعتمدت المحافظات دوائر في كلّ من الشمال والجنوب وبيروت، والأقضية في محافظتي جبل لبنان والبقاع. وقد حصلت آنذاك مقاطعة مسيحية ساحقة وشبه مطلقة في مناطق عدّة. ففي جبيل، على سبيل المثال، وصلت نسبة المقترعين المسيحيين الى أقلّ من 1 في المئة، والى 18 في المئة في كسروان. وأدّت هذه التقسيمات آنذاك، مع المقاطعة المسيحية، الى انتخاب أكثرية النوّاب المسيحيين بأصوات المسلمين في الشمال والجنوب والبقاع وبيروت وجبل لبنان، ولم ينتخب المسيحيون سوى 18 نائباً مسيحياً فقط.

 

ولفتت المصادر نفسها الى أنّ الحريري لم يدعُ الناخبين السنّة من جمهوره الى عدم الإقبال على الإنتخاب، ولم يطلب منهم أكثر من حقّه وممّا هو قابل للتحقّق، بل أراد تحميل المسؤولية لمن يجد نفسه قادراً على تحمّلها رغم كلّ الضغوطات والعراقيل التي واجهته والتي عدّدها في كلمته يوم الإثنين الفائت من بيت الوسط معلناً استقالته من الحياة السياسية. وهذا يعني بأنّه ترك الخيار لقاعدته الشعبية، في الداخل والخارج، باختيار ممثليها السنّة في البرلمان الجديد، كونه لا يُمكنه الطلب منها عدم ممارسة حقّها الديموقراطي المتمثّل بالإقتراع. ولهذا فإنّ القرار يعود لقاعدة الحريري الشعبية التي قد تتجه الى المقاطعة في حال لم تجد من يكون البديل المناسب عن الحريري بالنسبة لها، وستُترجم قرارها النهائي هذا في صناديق الإقتراع. ولا يزال أمامها الوقت اللازم لكي تقرّر بهدوء وحكمة.

 

أمّا حسابات الربح والخسارة، فلا يزال من المبكر معرفتها، على ما عقّبت المصادر عينها، لا سيما بعد أن خلط قرار الحريري الأوراق، وأظهر بعض التخبّط على الساحة السياسية، ما يستلزم بعض الوقت الى حين الإستيقاظ من الصدمة. ولهذا يُنتظر أن تمضي بعد فترة، بعض القوى السنيّة أكان من «تيار المستقبل» (مثل النائب محمّد الحجّار) أو من خارجه ومتحمّسة لخوض المعارك الإنتخابية المقبلة، مثل «جمعية المشاريع الإسلامية»، و «الجماعة الإسلامية»، والقوى السنيّة المستقلّة والمعارضة والتقليدية كما التغييرية، في إعلان الترشيحات وتشكيل اللوائح الإنتخابية. فالإنتخابات مطلب خارجي وداخلي، ولن يكون من السهل التفريط بها وبنتائجها، من قبل قوى وأحزاب سياسية سنيّة، على غرار ما فعل الحريري.