Site icon IMLebanon

مؤتمر “تيار المستقبل”… البحث عن صدمة و”صامدين”!

 

لو لم يدخل تيار “المستقبل” مدار مؤتمره العام (كل أربع سنوات)، لكان رئيسه سعد الحريري، استدعاه بقوة السلطة الاستثنائية التي يمنحها لنفسه! من حسن حظه أنّ التوقيت كان مناسباً وفي محله. هو بأمس الحاجة ليغرق في شؤون حزبه ويعيد ترتيبه من جديد وكأنه يولد اليوم على يديه، علّه يتمكن من تحصين آخر مراكب نجاته…

 

دارت الأيام، ولم يعد للحريري إلّا التنظيم، المصاب بالترهل والتشققات والخلافات، بعدما ابتعد عنه لسنوات نتيجة مسؤولياته في رئاسة الحكومة وتركه ملعباً لكل من اعتقد أنّ بامكانه اقتطاع ساحة منه. وها هو يعود إلى الداخل، إلى جذوره، يستثمر “الوقت الضائع” في أصعب ظروف تعرفها البلاد، ليعيد صياغة هيكليته التنظيمية بشكل تجعله “الآمر الناهي” المعني بكل تفصيل يجري في حزبه، بحجة تعزيز مركزية القرار والمسار.

 

لم ينتظر الحريري اقتراب موعد المؤتمر العام ليحسم اتجاه البوصلة. موّال التنظيم يخطر على باله منذ فترة. سبق له أن فاجأ جمهوره يوم 14 شباط بتقديم مراجعة صريحة وشفافة ازاء رؤيته لـ”تيار المستقبل”. قال يومها: “هناك ملاحظات وانتقادات وصلتني من كل المنسقيات والمناطق، ومن حزبيين ومناصرين يطالبون بتغيير أساليب وأدوات العمل. ويقال: ليس مقبولاً أن يعمل التيار باللحم الحي، ويكون ملجأ لمتسلقين ووصوليين ومستوزرين، بعض الانتقادات موجهة إلي شخصياً، ولحالة الانقطاع بين القيادة والقاعدة، وهناك شبان وشابات قالوها بوجهي، وطلبوا مني حضوراً أوسع بعمل التيار”.

 

وأكد أمامهم أن “قراري واضح: قراري التغيير بالتيار، التغيير وإعادة الهيكلة، المؤتمر العام للتيار سيعقد في الأشهر المقبلة، وستنتخبون قيادة جديدة، تكون شريكاً فعلياً بالقرار السياسي والتواصل المباشر مع الجمهور”.

 

كانت التجارب التي تعرض لها خلال السنوات الأخيرة، بمثابة دوافع ومحفزات فرضت نفسها على جدول الاهتمام والأولويات. كان عليه التعلم من كيسه، قبل ان يضطر ليدفع أثماناً اضافية. أولى شرارات التغيير حصلت في أعقاب الانتخابات النيابية التي أحبطت آمال الحريري، فسارع لمعالجتها بسلسلة قرارات واجراءات تنظيمية تعيد تذكير من حوله إنّه “بيّ التيار”، حصلت بناء على مراجعة تنظيمية – سياسية شاملة بيّنت مواقع الخلل والثغرات في أداء الحزب وهيكليته.

 

اليوم، ينعقد المؤتمر العام (في 26 و27 تشرين الثاني) على وقع رزمة من التحديات والاحباطات والأزمات الداخلية، التي نخرت في “التيار” حتى “العظم”!

 

وفق الروزنامة الحزبية، سيبدأ المؤتمر بكلمة رئيس الحزب، ومن ثم تتمّ مناقشة الورقة الاقتصادية – السياسية واقرارها والتي ستأخذ في الاعتبار كل الاحداث التي شهدتها الساحة الداخلية، سواء على مستوى الأزمة الاقتصادية أو انتفاضة “17 تشرين الأول” أو تغيير مشهدية التحالفات.

 

بعدها تبدأ جلسة النقاش التنظيمي لاقرار التعديلات المطروحة (أهمها حلّ الأمانة العامة والمكتب السياسي لاستبدالهما بالمجلس الرئاسي الذي يضم 18 شخصاً بينهم نواب الرئيس)، ليصار من بعدها إلى انتخاب رئيس الحزب، أو بالأحرى فوز سعد الحريري بالتزكية أسوة بما حصل قبل أربع سنوات. يليها اعلان المجلس المركزي المشترك الذي يضم النواب والوزراء الحاليين والسابقين وقيادات من “التيار”، حالية وسابقة، إلى جانب نحو 50 يعيّنهم رئيس الحزب بعد انتخابه، ليصير عديد المجلس نحو 200 شخصية يكون بمثابة برلمان الحزب ويجتمع كل أربعة أشهر.

 

بعد اكتمال عقده يجتمع المجلس المركزي المشترك في قاعة موازية ويقوم بانتخاب أمين سر هيئة الاشراف والرقابة التي، كما يدل اسمها، ستكون مسؤولة عن رقابة كل الهيئات التنظيمية. أما الجلسة الأخيرة من المؤتمر، فستخصص لتعيين المجلس الرئاسي، حيث سيتولى رئيس الحزب هذه المهمة لاختيار 18 شخصاً، اثنان منهم هما نائبا الرئيس، للشؤون التنظيمية (يرجح أن يكون أحمد الحريري في هذا الموقع)، وللشؤون السياسية، إلى جانب 4 نواب اضافيين يكلفون بمهام خاصة من الرئيس، و12 شخصاً يتولون المهام التنفيذية، على أن يكون المجلس الرئاسي بمثابة قيادة الحزب… أقله في الشكل، لأن في المضمون، “تيار المستقبل” يعني سعد الحريري، والحريري يعني “المستقبل”.

 

ولكن إلى أي مدى سيكون الحريري مستعداً لمواكبة كل تفاصيل حزبه؟

 

يقول “المستقبليون” إنّ رئيس الحكومة السابق منغمس منذ مدة في أوضاع “التيار”، ومن يتابع نشاطه بعد الاستقالة من الحكومة والدينامية التي يخوض فيها اللقاءات، والتي لا يعلن عن 97% منها، يتأكد أنّه منغمس جداً في صغائر الأمور قبل كبائرها، وهو يشرف على كل شاردة وواردة من تفاصيل المؤتمر بالتنسيق مع هيئة الاشراف على المؤتمر والتي يرأسها أحمد فتفت.

 

حتى الآن، يعمل سعد الحريري بهدوء وبكثير من التحفظ على تركيبة القيادة التي ستشاركه القرار. “المستقبليون” يستعيدون مشهد تأليف آخر حكوماته حين ترك أسماء وزرائه مفاجأة اللحظات الأخيرة، فطرح على سبيل المثال ريا الحسن لوزارة الداخلية. يعتقدون أنه يبحث بين رزمة القيادات الزرقاء عن أسماء قادرة على احداث نفس الصدمة الايجابية، عبر تقديم نماذج جديدة تعيد النبض الى عروق “التيار”. الأكيد بالنسبة اليهم أنّ روحية التغيير مطلوبة، بروفيل جديد يستند إلى معيار الالتزام والكفاءة والخبرة السياسية والتنظيمية.

 

ويختم هؤلاء بالقول: رغم كل المطبات، فإنّ “تيار المستقبل” هو الوحيد الذي بقي مع الحريري “على الحلوة والمرة”، وهو متحمس أكثر من أي وقت لتكريس الانطلاقة الجديدة.