تطرح علامات استفهام كثيرة عن سبب «السعادة» التي تسود عند بعض من في تيار «المستقبل» لجهة تعميم مقاطعة الانتخابات على مستوى الطائفة السنية، وجهدهم المتصاعد لمنع أي كان من سُنة سياديين من الترشح للإنتخابات النيابية، والمفارقة أن من عزفوا عن الترشح من تيار «المستقبل» يوردون في أسباب عزوفهم أن خطوتهم تأتي في سياق الحفاظ على هوية بيروت مثلاً وحماية قرارها ومنع المتسلقين من الوصول، وتضامناً مع الرئيس سعد الحريري في تحقيق أهدافه، ولكن السؤال البديهي والمنطقي هل يتحقق كل ذلك بالمقاطعة؟
«حزب الله» مرتاح إلى أنه إذا حصلت الانتخابات النيابية فهو سيحقق هذه المرة أكثرية تعتمد على 3 طوائف في حال بقيت الشرذمة وعدم المبالاة موجودين لدى معارضيه، فهو طبعاً سيكسب الأكثرية الشيعية، وهو يسعى جاهداً لتحقيق أكثرية لدى المسيحيين، وقد أتته هدية لم يكن يتوقعها بأن يحقق أكثرية لدى الطائفة السنية، ويبدو أنه لن يبذل جهداً كبيراً لتحقيق ذلك، فليس هناك مرشحون لـ»المستقبل»، ولا مرشحون مدعومون منه، بل بالعكس هناك محاولات لإحباط أي لوائح سنية قوية وتوجيه لناخبي «المستقبل» وأنصارهم بعدم التصويت لها، وهذا ما يحصل بالتحديد مع الرئيس فؤاد السنيورة ومع نواب في تيار «المستقبل» إختاروا العزوف عن الترشح على مضض.
في السياسة أي قرارات ستكون لها نتائج، وأصحاب هذه القرارات يجب أن يكونوا على علم بالنتائج الإيجابية او السلبية لما قاموا به وما إذا كانت ستحقق الأهداف التي يسعون إليها، وشكا الرئيس الحريري من أن النفوذ الإيراني في لبنان هو أحد الأسباب التي دفعته لتعليق عمله السياسي فهل ستضعف المقاطعة السنية هذا النفوذ أم ستقويه؟ وهل ستتراجع قبضة «حزب الله» عن الدولة أم ستتشدد أكثر؟ وهل ستصبح الطائفة السنية أكثر تمثيلاً لواقعها أم سيصادر تمثيلها وقرارها؟
في العلاقة بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» ليس هناك عداء او معركة كسر عظم، فالوقائع تشير إلى أن «الحزب» استفاد من سياسات «المستقبل» في شكل كبير، فمع الرئيس رفيق الحريري تكرست شرعية مقاومة «حزب الله» من خلال تفاهم نيسان، وبعد اغتيال الرئيس الحريري أنقذ الحلف الرباعي «حزب الله» من العزلة والحريرية كانت أساساً فيه، وبعد انتخابات العام 2009 والتي فازت فيها قوى 14 آذار أطلق الرئيس الحريري شعاره «كلنا تحت السما الزرقا» وعاد مع «حزب الله» إلى الحكومة، وفي العام 2016 كانت التسوية الرئاسية لصالح مرشح «حزب الله» العماد ميشال عون، واستمرت مفاعيلها في الانتخابات النيابية في العام 2018 عندما دعم تيار «المستقبل» المرشح جبران باسيل حليف «حزب الله» أيضاً، وأعلن الرئيس الحريري وقتها أن الصوت التفضيلي بدنا نعطيه لـ»جبران صديقي»، وقد جرى كل ذلك تحت عنوان ربط النزاع مع «حزب الله»، وانسحب ذلك على الأحكام التي صدرت عن المحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي دانت على مرحلتين منتمين إلى «حزب الله» وهم سليم عياش وحسين عنيسي وحسن مرعي.
لقد طالب الرئيس سعد الحريري الدولة اللبنانية، بعدما دانت المحكمة الدولية عنيسي ومرعي، بكل سلطاتها وأجهزتها العسكرية والأمنية بالعمل على توقيف المدانين وتسليمهم للمحكمة الدولية لتنفيذ العقوبات المقررة بحقهم، ويدرك الرئيس الحريري أن هذه المطالبة لن تتحقق ليس لأن الدولة لا تملك القدرات بل لأنها عاجزة أمام قدرة وقوة «حزب الله» وستكون عاجزة أكثر عقب انتخابات تكرس هذه القوة وتقصي كل قوى المواجهة.